لنفصل بين الإعلان والدستور

لنفصل بين الإعلان والدستور

المغرب اليوم -

لنفصل بين الإعلان والدستور

فهمي هويدي

أدعو إلى فك الارتباط بين الإعلان الدستورى والدستور الجديد، بحيث لا يوضع الاثنان فى كفة واحدة، وبحيث لا تعالج سلبيات الإعلان بمفسدة عظمى تتمثل فى الدعوة إلى إلغاء الدستور. لست أنكر حق الناقدين للإعلان الدستورى فى معارضة بعض مواده التى أثارت اللغط والخوف على المستقبل، لكننى أدعو إلى عدم الخلط بين الأوراق والملفات، والإبقاء على مشروع الدستور بعيدا عن تلك المعمعة. وذلك يتطلب منا ألا نستمع إلى أصوات الغلاة الذين يدعون إلى هدم المعبد على رءوس الجميع، ورفض كل ما هو قائم من أبنية والتراجع عن كل ما تم من خطوات، لمجرد أنها صادرة عن طرف لا يحبونه. أدرى ان تشكيل الجمعية التأسيسية التى أصدرت الدستور كان ولايزال محل لغط وجدل، أدرى أيضا أن بعض الأعضاء المحترمين انسحبوا من الجمعية ومعهم ممثلو الكنائس، لكننى فى المسألة الأولى أسجل نقطتين، الأولى ان تشكيل اللجنة التأسيسية كان قانونيا والطعن فيه من جانب البعض يستند إلى الملاءمات السياسية أكثر من استناده إلى الأسباب القانونية. النقطة الثانية أذكر فيها بالحكمة الصينية التى تقول انه لا يهم أن يكون القط أسود أم أبيض، لأن الأهم هو ما إذا كان قادرا على اصطياد الفئران أم لا. وهو ما يدعونى إلى القول بأنه ليس يهم الآن كثيرا تشكيل اللجنة الذى بذل فيه جهد لا ينكر لأجل تمثيل الجميع بها، وإنما الأهم هو «المنتج» الذى توصلت إليه، وهل يعبر عن تطلعات وأشواق الثورة المصرية أم لا. مسألة الانسحاب أثرت على الشكل ولم تؤثر على الوظيفة. ذلك أن أغلب الذين انسحبوا عبروا عن موقف سياسى، ولم يكن تحفظا على مواد بذاتها. مع ذلك فإن الآراء التى عبروا عنها فى اجتماعات اللجان أخذ بأكثرها فى الصياغة النهائية للمشروع. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إنهم غابوا حقا عن الجلسات لكن حضورهم كان مشهودا فى النصوص التى أعلنت. إن القضية الآن التى ينبغى أن تحظى بالاهتمام ليست من وضع الدستور، ولكنها يجب أن تركز على مضمون الدستور ومحتواه. وإذا كانت بعض الفئات أو الجماعات لم تشارك فى الجمعية التأسيسية لسبب أو لآخر، فذلك لا ينبغى أن يكون سببا لمخاصمة جهد الجمعية والشطب على الدستور الذى أعدته، خصوصا إذا عُد ذلك الدستور انجازا يستحق الحفاوة به والتمسك ببقائه باعتباره إضافة مهمة تشرف ثورة 25 يناير وتستجيب لتطلعاتها. فى هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأنه لا يوجد دستور كامل الأوصاف، كما يقال، ولكنه كأى عمل بشرى قد لا يخلو من نقصان، يمكن علاجه فى المستقبل وقد كفل النص الذى بين أيدينا ذلك، لكننا يجب أن نعترف بالإضافات والنقاط المهمة التى سجلها، والتى من بينها ما يلى: تقييد سلطات رئيس الجمهورية ــ ضبط العلاقة بين سلطات الدولة ــ التوسع فى باب الحقوق والحريات الذى بمقتضاه أصبح  تشكيل الأحزاب والجمعيات وإصدار الصحف مثلا، يتم بمجرد إخطار الجهات المعنية، ودون أية اشتراطات أو إجراءات أخرى مسبقة ــ النص صراحة على منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا فى حالة الإضرار بالقوات المسلحة. وتعريف «الإضرار» ليس متروكا لهوى السلطة أو السلطان، ولكنه ينبغى أن يتحدد ويضبط من خلال القانون الذى يصدره مجلس الشعب. أيا كانت مزايا الدستور أو نواقصه، فينبغى أن يكون واضحا فى الاذهان أن العبرة بالتطبيق، لأن الدستور السابق نص على ضرورة الإشراف القضائى على الانتخابات التى مورست خلالها أوسع صور التزوير، كما تحدث عن الحريات العامة وعن منع التعذيب، وكلنا نعرف كيف كانت الحريات العامة، وكيف أصبح التعذيب من تقاليد السجون المصرية. والأمثلة الأخرى كثيرة، وكلها تشير إلى أن أبشع الانتهاكات يمكن أن تمارس فى ظل أعظم الدساتير وأفضل الصياغات. الأمر الذى يعنى أن النصوص المكتوبة لا تكفى وحدها لحماية المجتمع من تغول السلطة واستبدادها، ولكن قوة مؤسسات المجتمع وسيادة حكم القانون ومناخ الحرية السائد هو ما يمكن المجتمع من ايقاف السلطة عند حدها، ومحاسبتها إذا  تغولت وإسقاطها إذا ما استمرأت التغول وطغت. إن اقحام الدستور فى الاشتباك الراهن مع الرئيس مرسى يضيع علينا فرصة الفوز به، ناهيك عن أن أحدا لا يتصور النتائج التى يمكن أن تترتب على الغائه. الأمر الذى يمكن أن يدخل البلد فى دوامة خلاف قد يبقى على البلد بغير دستور لعدة سنوات مقبلة، ومن ثم يشيع فيه قدرا من الفوضى وعدم الاستقرار لا يعرف إلا الله وحده مداه أو تداعياته. وإذا كان للمعارضين ان يستمروا فى نقدهم لسلبيات الإعلان الدستورى، فإن عليهم أن يدركوا أيضا أن إصدار الدستور وإقراره هو أقصر الطرق لإلغاء ذلك الإعلان، ومن ثم قطع الطريق على كل المخاوف التى أشاعتها بعض فقراته، وإحكام إغلاق المنافذ والأبواب التى يمكن أن يتسلل منها فرعون جديد فى فضاء مصر. إننا نتلمس أى خطوة إلى الأمام، فلا تشدُّونا إلى الوراء من فضلكم. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لنفصل بين الإعلان والدستور لنفصل بين الإعلان والدستور



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib