نِمنا محزونين وصحونا مفجوعين

نِمنا محزونين وصحونا مفجوعين

المغرب اليوم -

نِمنا محزونين وصحونا مفجوعين

فهمي هويدي

  يناسبه تماما وصف «السبت الأسود». إذ نمنا فى الليل محزونين وصحونا مفجوعين. حتى صار الأفق مجللا بالدم ولم تر أعيننا فى الحالين سوى صور الأشلاء ومشهد الجنازات، وما سمعت آذاننا سوى أنين المكلومين وأصوات الملتاعين. كأنه كان سباقا على الموت، فى غزة التى عانى شعبها من وحشية العدوان الإسرائيلى. وفى أسيوط التى عانت بدورها من عبثية الاستهتار بحياة المصريين. لا أهمية لكون ما أقدمت عليه إسرائيل يعد جريمة مع سبق الإصرار والعمد، وما إذا كان الذى جرى فى أسيوط إهمالا فرديا وخطأ جسيما أقرب إلى العمد. أو أن الطائرات كانت أداة القتل عندهم فى حين كانت الحافلة المدرسية عربة الموت عندنا، لأن البشر هم الضحية فى الحالتين. إلا أننى أزعم أن الجرم فى حدث أسيوط أفدح. فالقتل فى غزة مارسه عدو باطش لا يستغرب منه ذلك، إلا أن القتل فى أسيوط تسببت فيه بيروقراطية يفترض أنها «صديقة»، لكنها مستهترة وعفنة، الأمر الذى دفعها إلى الاصطفاف تلقائيا إلى جانب العدو. حتى أوقعت من القتلى أكثر مما أوقعت الغارات الإسرائيلية على غزة. أصداء الجريمتين فيها ما هو جدير بالرصد. وكنت قد عرضت أمس لبعض الجوانب الإيجابية التى أمكن استخلاصها من مشهد العدوان على غزة الذى لايزال مستمرا. لكن تطورا إيجابيا جد فى مساء السبت (17/12) وجدت فيه شعاعا من الأمل جديرا بالإثبات. أتحدث عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذى أعرف أن أحدا لم يكن يعول عليه أو ينتظر منه خيرا. ولذلك فحين يخرج منه شعاع ــ مجرد شعاع ــ من الأمل فإن ذلك يعد خبرا يستحق التسجيل والحفاوة. وسواء كان ذلك بتأثير من أجواء الربيع العربى أو من أصداء الانقضاض الوحشى على غزة، فالشاهد أن وزراء الخارجية العرب وافقوا على اقتراح الأمين العام بإعادة النظر فى جميع المبادرات التى أطلقت للتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل، بما فى ذلك مبادرة قمة بيروت التى تبناها القادة العرب فى عام 2002، وتعاملت معها إسرائيل بازدراء شديد فى حين تعلق بها بعض أولئك القادة. وهى خطوة إذا ما أخذت على محمل الجد فإنها يفترض أن تؤدى إلى سحب المبادرة، كما ستؤدى إلى إنهاء دور الرباعية الدولية التى أقحمت على مسار التسوية ولم تحقق شيئا يذكر. وإذ أذكر مجددا بأننى أتحدث عن شعاع من الأمل، إلا أننى لست واثقا من أن دول الربيع العربى يمكن أن تحث الجامعة وبقية الدول العربية على أن تصبح عنصرا ضاغطا لصالح الفلسطينيين، يسهم فى فتح معبر رفح ويؤيد التصويت لصالح عضوية دولة فلسطين كمراقب فى الأمم المتحدة. كما أننى لست متأكدا مما إذا كان بمقدورها أن تدعم موقف مصر فى مطالبتها المرجوة بتعديل الملاحق الأمنية المتعلقة باتفاقية السلام، بما يسمح لها باستعادة سيادتها على سيناء، بعدما ثبت أن غيابها كانت له تداعياته الضارة بأمنها القومى. مثيرة للاهتمام والدهشة أيضا أصداء كارثة أسيوط، التى تسبب الاستهتار والإهمال فيها فى مصرع أكثر من خمسين طفلا قتلوا بعد إطاحة قطار الصعيد بالحافلة التى كانوا يستقلونها فى ذهابهم الصباحى إلى مدرستهم، ذلك أننا إذا كنا قد وجدنا شعاعا من الأمل فى أصداء الانقضاض الإسرائيلى على غزة، فإننى أزعم أن أصداء حادث أسيوط كانت كارثية إلى حد كبير. ذلك أننى فوجئت حين تابعت تلك الأصداء فى وسائل الإعلام بأن عددا غير قليل من مقدمى البرامج التليفزيونية والمعلقين تصيدوا الحدث للتشهير وتصفية الحسابات والمرارات مع رئيس الجمهورية والحكومة. إذ وقف هؤلاء فوق جثث عشرات التلاميذ لكى يوجهوا أصابع الاتهام وعرائض الادعاء إلى الرئيس الذى تولى منصبه منذ أربعة أشهر وإلى الحكومة التى لم يمض على تشكيلها ثلاثة أشهر، وسمعت إحدى مذيعات التليفزيون وهى تصرخ بصوت عال مطالبة رئيس الجمهورية بأن يرحل هو ورئيس الوزراء، طالما أنهما فشلا أو عجزا خلال تلك الأشهر عن تحمل مسئولية إصلاح الخلل المتراكم فى أداء الحكومة منذ ثلاثين أو أربعين عاما. وأعطت الفرصة كاملة لسيدة ادعت أن ذلك لم يحدث فى عهد مبارك (!!) فلا غرقت العبارة ولا أحرق قطار الصعيد ولا تسببت المزلقانات وحوادث الطرق فى قتل آلاف المصريين. وفى حوار تليفزيونى آخر شن أحد المعارضين هجوما شديدا على التصريحات الرسمية التى أشارت إلى أن الإهمال الجسيم الذى تسبب فى الكارثة من مخلفات ورواسب النظام السابق. رغم أن تلك بديهية لا يستطيع أن ينكرها منصف. استغربت أيضا لما سمعت وقرأته عن الادعاء باهتمام رئيس الجمهورية والحكومة بما حدث فى غزة، وتقصيرهم فى الاهتمام بكارثة أسيوط. حتى قال أكثر من واحد إن رئيس الجمهورية كان متحمسا ومنفعلا عندما تحدث عن غزة. فى حين أنه كان هادئا وقليل الانفعال إزاء ما حدث فى أسيوط (!) وهو خيط التقطه آخرون لكى يؤيدوا مزاعم الادعاء بأن الحكومة والنظام الجديد فى مصر مشغولان بحماس فى غزة بأكثر من انشغالهم بمصالح الشعب المصرى.. إلى غير ذلك من الأصداء السمجة التى حولت الكارثة التى هزت مشاعر المصريين إلى فرصة للكيد والتشهير والاغتيال الأدبى والسياسى. كانت تلك فجيعة ثانية، شممت فيها رائحة الانحياز إلى النظام السابق المسكونة بالحرص على إعفائه من المسئولية عن انهيار الخدمات وشيوع الفساد فى البلد. كما وجدت فيها انصرافا مذهلا عن قضية تدهور الخدمات التى تهم الجماهير، واهتماما بشىء واحد هو محاكمة الحكومة والتأكيد على إدانتها لإسقاطها وذلك سلوك مستهجن وطنيا وأخلاقيا ومهنيا أيضا. الأمر الذى يعمق من الشعور بالحزن والفجيعة. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نِمنا محزونين وصحونا مفجوعين نِمنا محزونين وصحونا مفجوعين



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib