شكرا نتنياهو

شكرا نتنياهو

المغرب اليوم -

شكرا نتنياهو

فهمي هويدي

يستحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو شكرا منا لم يسع إليه، رغم كل الأهداف الشريرة التى أراد أن يحققها بغاراته على غزة، بما استصحبته من ترويع وقتل وتدمير. أتفق مع كل من يرى فى الرجل مجرم حرب لا محل لأن تذكر له فضيلة أو يسبغ عليه شكر. بل ينبغى أن يلاحق باللعنات والاستهجان لكل ما يصدر عنه. وأزعم أن ذلك هو التقييم الحقيقى للشخص ودوره. وقبل أن أعرض حيثيات الفكرة التى أدعو إليها أنبه إلى ثلاثة أمور: الأول أن الشكر الذى أتحدث عنه مغموس بالدم وخارج من رحم الاحتقار والكراهية. والثانى أننى أدرك جيدا أن الشعب الفلسطينى الذى لايزال ينزف دما منذ أربعينيات القرن الماضى هو الذى يدفع ثمن العربدة الإسرائيلية. الأمر الثالث أننى حين أتحدث عن الشكر للسيد نتنياهو فذلك لا يعنى أننى فرح لما حدث، ولكننى أردت أن أقول إن الجريمة التى وقعت بحق الشعب الفلسطينى فى القطاع أبرزت إيجابيات تستحق الاهتمام والرصد. فأى مراقب للأحداث فى المنطقة العربية لا بد أن يلاحظ أن ثورات الربيع التى شهدتها المنطقة منذ بداية العام الماضى (2011) خطفت أبصار الجميع، وصرفت انتباه الأغلبية عن القضية الفلسطينية، الأمر الذى حولها فى وسائل الإعلام إلى خبر من الدرجة الثانية أو الثالثة. وفى هذه الأجواء ارتفعت أصوات البعض بأحاديث ركزت على الخطر الإيرانى والعدو الإيرانى، كما شغل آخرون بالحدث السورى وإسقاط النظام القائم فى دمشق.. ووصل بالبعض أن بدأوا يشيرون إلى إيران باعتبارها العدو الأكبر والأخطر مما تمثله إسرائيل. وقد تكفل العدوان الوحشى الأخير على غزة بتصحيح الصورة المختلة والشائهة. ذلك أنه دفع العنوان الفلسطينى إلى المقدمة وأعاده إلى مكانه خبرا أول فى وسائل الإعلام العربية. وفى نفس الوقت فإنه ذكّر الجميع بأن العدو الحقيقى والخطر الحقيقى يتمثل فى إسرائيل قبل أى شىء آخر. وأكثر من ذلك فإن العدوان استنفر الجماهير العربية التى ظلت طوال الأشهر الماضية تخرج معبرة عن مطالبها واحتجاجاتها. وإذا بنا نراها بعد الغارات الإسرائيلية تعلن عن غضبها وتستعيد رفضها وخصومتها للسياسات الإسرائيلية، وتضامنها مع الشعب الفلسطينى. وما كان لكل ذلك أن يحدث لولا إقدام إسرائيل على جريمتها التى أرادوا بها تركيع الفلسطينيين، فأراد ربك أن تصحح الوجدان العربى وتصوب مواقف الإعلام العربى، بل وتستثير حماس الجماهير العربية. بالتوازى مع ذلك نلاحظ أن القيادة المصرية حرصت منذ تولى الرئيس محمد مرسى منصبه على أن تتعامل بحذر مع الإسرائيليين، وأن تتجنب التصعيد إزاءها بناء على اجتهادات أو تحليلات دعت إلى التهدئة فى الفترة الماضية، إلا أن العدوان الإسرائيلى اضطر القيادة المصرية لأن تتبنى موقفا أكثر حزما، وألا تتردد فى التصعيد السياسى. وهو ما تجلى فى الزيارة التى قام للمرة الأولى بها رئيس الوزراء لقطاع غزة، وفى تصريحات رئيس الجمهورية التى أعلن فيها أن مصر لن تترك غزة وحدها فى مواجهة إسرائيل، كما تجلى فى فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين وغيرهم من العالقين. بالتالى فإنه إذا صح أن إسرائيل أرادت أن تحرج القيادة المصرية وأن تختبر موقفها، فالذى حدث أن مصر لم تستجب للضغط، واضطرت للتخلى عن حذرها فى التعامل مع الموقف. النقطة الثالثة الجديرة بالتسجيل فى هذا السياق أن الغارات الإسرائيلية شكلت عاملا ضاغطا على الحكومة المصرية لكسر الحصار المفروض على القطاع. وقد تجلى ذلك فى فتح المعبر لزيارات المسئولين المصريين والعرب، الأمر الذى قد يستثمر ــ إذا استمر ــ فى طى صفحة الحصار «وتطبيع» العلاقات مع القطاع. النقطة الرابعة المهمة أن رد الفعل الفلسطينى كشف عن تفوق القدرة العسكرية لمنظمات المقاومة، الأمر الذى يمكن أن يعد نقطة تحول فى الصراع ضد الاحتلال. ذلك أن إسقاط المقاومة لطائرة إف 16 كذلك إسقاط الطائرة الإسرائيلية بغير طيار، وتوجيه صاروخ بعيد المدى وصل إلى مشارف تلك أبيب، ذلك كله يؤشر على أن ثمة جديدا فى قدرة المقاومة يجب أن يحسب حسابه، الأمر الذى لا بد أن يكون له صداه فى أوساط الإسرائيليين، وحين يترتب على ذلك أن يندفع أكثر من مليون إسرائيلى إلى الملاجئ هربا من الصواريخ الفلسطينية، فمعنى ذلك أن الرسالة وصلت، وأن الإسرائيليين لن يستشعروا أمانا حقيقيا طالما استمر الاحتلال. فى عام 1982 حين اجتاحت إسرائيل لبنان فإن هذه كانت اللحظة التى ولد فيها حزب الله، الذى أهان إسرائيل وهزمها بعد سنوات قليلة. وفى سنة 1955 حين قامت وحدة إسرائيلية بقيادة إرييل شارون بنسف بير الصفا فى ضواحى غزة، وقتلت 39 مصريا وسودانيا وفلسطينيا، وقد رد الرئيس عبدالناصر على ذلك بتشكيل كتيبة الفدائيين المصرية بقيادة المقدم مصطفى حافظ، التى قامت بعمليات فدائية داخل إسرائيل أدت إلى قتل نحو 1400 شخص. وبذلك ارتد السهم إلى الصدر الإسرائيلى بما لم تتوقعه ــ ما الذى سيحدث هذه المرة؟ السؤال يستحق أن يطرح، والإجابة تستحق الانتظار. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شكرا نتنياهو شكرا نتنياهو



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib