فن صناعة الفرعون

فن صناعة الفرعون

المغرب اليوم -

فن صناعة الفرعون

فهمي هويدي

أثناء صلاة العيد جلس الرئيس محمدمرسى محاطا بكبار المسئولين فى الدولة. نائب الرئيس ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر ووزيرا الدفاع والداخلية وغيرهم. إلا أن الرئيس وحده وضعت أمامه سجادة صغيرة. فوق سجادة المسجد الكبير. التى كانت قد غسلت ونظفت سواء بمناسبة العيد أو بمناسبة صلاة الرئيس فى المسجد. لم أتابع بث صلاة العيد عبر التليفزيون، لكن أكثر من واحد نبهنى إلى حكاية سجادة الرئيس بعد صلاة الجمعة، ورأيتها واضحة بعد ذلك فى الصور التى نشرتها الصحف فى اليوم التالى «أمس السبت 22/10». أحد الأسئلة التى أثارها عندى المشهد كالتالى: لماذا خصُّوا الرئيس بسجادة له وحده، ولم يفعلوها مع غيره من كبار المسئولين المحيطين به؟ الرد المباشر الذى خطر لى أن ذلك حدث لأن هناك من رأى أن الرئيس ينبغى أن يختلف عن غيره، حتى فى الوقوف أمام الله. قد تبدو الملاحظة بسيطة، ولست أشك فى أن الرئيس لا علاقة له بما حدث، ولكنى وجدت لها دلالة جديرة بالتسجيل. شجعنى على ذلك أننى سمعت كلاما يلوكه البعض عن الاستعدادات الخاصة التى ترتب لاستقبال الرئيس، حتى فى صلوات الجمعة التى يحرص على أدائها بين الناس. حدثنى نفر من هؤلاء عما حدث حين أدى صلاة الجمعة فى مرسى مطروح، فتم تغيير السجاد فى المسجد الذى أعيد طلاؤه، وكانت الرسالة واضحة فى أن ذلك كله لم يحدث لأجل الناس، وإنما كان تعبيرا عن الحفاوة بالرئيس، ولست أشك فى أن ذلك يحدث للرئيس حيثما حل. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن الرئيس كلما ذهب إلى مكان فإنه لا يراه على حقيقته، وإنما يتم تحسينه وتجميله لكى تطمس فيه الحقيقة، وإذا ضممت ذلك الانطباع إلى معلومة السجادة التى وضعت للرئيس دون غيره أثناء صلاة العيد، فقد توافقنى فى أن البيروقراطية المصرية لا تكف عن توجيه الرسائل إليه، التى توحى له بأنه يجب أن يتميز عن غيره من كبار المسئولين، فى الوقت الذى تسعى فيه أصابع البيروقراطية لتزوير الواقع الذى تقع عليه عيناه، بحيث لا يتمكن من أن يرانا على حقيقتنا. ما دعانى إلى إبداء أمثال تلك الملاحظات الصغيرة أن مسئولا مخضرما عاش فى المطبخ الرئاسى ردحا من الزمن قال لى ذات مرة إن البيروقراطية المصرية تملك قدرا كبيرا من الحكمة والدهاء والصبر. ذلك أنه ما من مسئول كبير يتولى موقعه ويريد أن يتصرف على سجيته، إلا ونسجت حوله الأجهزة البيروقراطية خيوطها فى هدوء شديد حتى تضعه فى القالب الذى تريده هى وليس ما يريده هو. بحيث يتحول صاحبنا بمضى الوقت إلى شخص آخر غير الذى تسلم المنصب. سيظل بنفس الاسم والشكل بطبيعة الحال، لكنه سيختلف فى السلوك والأداء وربما فى ثيابه التى يرتديها، بل وفى مشيته وكيفية تواصله مع الآخرين. يكفى أن تشعره الأجهزة بأنه ليس كائنا عاديا، لكنه شخص مختلف عن غيره، ولأنه مهم فلابد أن يكون مستهدفا، الأمر الذى لا يتم التعامل معه إلا بتكثيف الإجراءات والاحتياطات الأمنية. وحينذاك تتوالى سلسلة من الإجراءات التى لا يستطيع أحد مناقشتها أو ردها. إذ من أجل الحفاظ على حياة الرئيس أو المسئول الكبير لابد من احتياطات معينة تتعلق بمسكنه وموكبه واستقبالاته وخطوط الاتصال به.. الخ. صحيح أنه عادة ما يتمنع فى البداية، ولكن أساليب الدهاء والنفس الطويل التى تجيدها الأجهزة البيروقراطية تجعله يستسلم فى نهاية المطاف، بحيث تصنع من الإنسان الذى قدم إلى المنصب، فرعونا لا يشق له غبار. إن ترزية القوانين يمثلون وحدة أخرى فى مؤسسة تصنيع الفراعين، وهى وثيقة الصلة بالمؤسسة الأمنية. لأنها تتولى تغطية ممارساتها وتقنينها لتأمين الفرعون وتبييض صورته. وتقاس براعة هؤلاء جميعا بمقدار إتقانهم للدور بحيث يتم تصنيع الفرعون دون أن يشعر بالتحول الذى يفرض عليه وينسج من حوله. فى هذا الصدد قال لى أحد العارفين  بأساليب الأجهزة البيروقراطية إن الرئيس مرسى فاجأ المحيطين به حين ظهر فوق إحدى المنصات فى ميدان التحرير يوم حلفه لليمين وفتح سترته أمام الملأ قائلا إنه لا يرتدى السترة الواقية من الرصاص. أضاف صاحبنا إن الرئيس فعلها لأنه كان جديدا على المنصب، لكنه لن يكررها بعد عام، وسيكون ذلك قراره الذى لن يفرضه عليه أحد. إذ سيكون عندئذ أكثر حذرا خصوصا أنه بدأ يستمع إلى الرسائل الأمنية التى تسرب إليه. لقد أكد لى أحد المقربين من الرئيس ما سبق أن ذكرته من أنه لا علاقة له بكل ما يرتب له ويثير اللغط فى بعض الأوساط، ثم سألنى: ما الذى يفعله الرجل فى هذه الحالة؟ قلت: بوسعه أن يعلن على الملأ رفضه للترتيبات الاستثنائية التى تعد له، وأن يبلغ المسئولين فى كل جهة يقصدها بأنه يريد أن يرى الواقع كما هو دون تزويق أو تزوير. أضفت بعد ذلك أن الرئيس لو طوى السجادة التى خصصت له فى صلاة العيد ونحاها جانبا لأوصل تلك الرسالة إلى الذين فعلوها، ولأسكت اللغط الذى أثارته اللقطة. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن صناعة الفرعون فن صناعة الفرعون



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib