وفودنا «الشعبية»

وفودنا «الشعبية»

المغرب اليوم -

وفودنا «الشعبية»

فهمي هويدي

تقديرنا لبعض الذين دعوا للاشتراك فى زفَّة برلين شىء، والادعاء بأنهم يمثلون الشعب المصرى شىء آخر. ثم إنهم حين يصدقون ذلك الادعاء ويسرفون فى الحديث بناء على ذلك بمثابة شىء ثالث. أما الشىء الرابع فهو أن تنطلى القصة على الألمان فيتصورون أن هؤلاء حقا هم الممثلون الشرعيون للشعب المصرى.

أقول ذلك بمناسبة التصريحات التى نشرتها الصحف المصرية عن تمثيل الوفد الشعبى لطوائف المصريين وأطيافهم المختلفة. وتلك التى صدرت عن بعض المسافرين الذين اعتبروا انتقاد سفرهم هو عمل «ضد الشعب». بل إن منهم من تصور أنه يقوم بمهمة رسالية من قبيل قول إحدى الفنانات إنها ذاهبة لمحاربة «خفافيش الظلام فى برلين». حتى خطر لى أنها تصورت خفافيش الظلام طيورا حقيقية يمكن ملاحقتها واصطيادها خلال الثمانى والأربعين ساعة التى تستغرقها الزيارة!

أكثر ما همنى فى الموضوع هو ابتذال مصطلح تمثيل الشعب فى ظل الفراغ الحاصل، حيث لا توجد أية جهة تمثيلية يمكن أن يدعى أحد أنها منتخبة من الشعب ولها الحق فى التعبير عنه (استثنى النقابات المهنية التى تمثل العاملين فيها). إذ ليس لدينا مجلس نيابى ولا مجالس محلية حقيقية، بل لم يعد لدينا مؤسسة نص القانون على استقلالها وأتيح لها أن تمارس ذلك الاستقلال على أرض الواقع. فى هذه الأجواء انفتح المجال واسعا لتزوير إرادة الشعب. وصار المسئولون والأبواق الإعلامية الخاضعة لتوجيههم يمارسون حريتهم فى التمسح بالشعب، فيتحدثون تارة أنه قرر كذا أو أمر بكذا أو فوض فى كذا أو أنه أجمع على كذا وكيت.. إلخ. وفى هذا السياق قرأنا فى مناسبات عدة عن أن وفودا شعبية ذهبت إلى هذا البلد أو ذاك، دون أن يعرف أحد أى شعب يمثلون ومن الذى نصبهم أو تخيرهم ليكونوا وكلاء عن المصريين. وإذا كان مستقرا أن الذى يمثل الشعب لابد أن يكون منتخبا منه (هل لابد أن نذكر أن الانتخابات يجب أن تكون حرة ونزيهة؟!)، فقد درج العمل على أن الوفود التى تقدم بحسبانها شعبية تكون فى حقيقة الأمر انتخاب الأجهزة الأمنية وشبكة المصالح غير المرئية. لذلك فإن التسمية الحقيقية لها هى أنها وفود أمنية تشكلت وأجيزت ورتب سفرها بواسطة الأجهزة الأمنية. فى حين أن أصحاب المصالح من رجال الأعمال جاهزون لتغطية النفقات لأسباب وطموحات مفهومة.

هذا الأسلوب يمثل تطورا فى فقه الاحتكار والهيمنة. ذلك أننا إذا كنا قد عرفنا احتكار السلطة حينا من الدهر، فإن أبالسة السياسة بعدما اطمأنوا إلى ذلك فإنهم لم يتورعوا عن احتكار الشعب أيضا. والديمقراطيات الشعبية نموذج فج لذلك، ذلك أنها لا كانت ديمقراطية ولا كانت شعبية، وإنما أصبحت نموذجا للاستبداد الصريح وليس المقنع.

أما النموذج الذى كان أكثر فجاجة فقد قدمه الرئيس الليبى السابق معمر القذافى من خلال بدعة «الجماهيرية» التى جعلها عنوانا لبلده. وادعى آنذاك أن الجماهير هى التى تقرر فى حين لم يكن يتحرك شىء فى البلد أو يتخذ قرار إلا بإشارة منه. ربما لهذا السبب فقد نحت بعض اللغويين مصطلح الشعبوية للتمييز بينها وبين الشعبية. وحين رجعت فى ذلك إلى الأستاذ فاروق شوشة أمين مجمع اللغة العربية قال إن الشعبوية تخريج واجتهاد لجأ إليه الشوام للتفرقة بين الحقيقة والادعاء. فكلمة الشعب أصدق فى التعبير عن عامة الناس. أما الشعبوية فهى تطلق على كل ادعاء يراد نسبته إلى الشعب دون أن يكون تعبيرا أصيلا عنه.

قلت إنها مشكلة أن يصدق الذين تنتخبهم المؤسسة الأمنية أنهم يمثلون الشعب حقا. لأن تلك مشكلة الذين يتم اختيارهم فقط، لأن الشعب الفاهم والواعى لا يأخذ الأمر على محمل الجد. والتعليقات المقذعة التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى خلال اليومين الماضيين على الوفد المسافر إلى ألمانيا دليل على أن الأمر تحول إلى نكتبة وموضوعا للسخرية والتندر. بنفس القدر فإننى أشك كثيرا فى أن الألمان اقتنعوا بأن الوفد المذكور يمثل الشعب المصرى لأن المثقفين والسياسيين على الأقل يعرفون جيدا أن الكلام عن تمثيل الشعب فى مصر لا محل له، لأنه لا توجد مؤسسة تستطيع أن تدعى ذلك. بالتالى فالأمر بالنسبة إليهم لم يكن أكثر من لقطة فولكلورية أريد بها إثارة بعض الضجيج فى برلين للتغطية على نقد بعض سياسييها للأوضاع الداخلية فى مصر. ولست أستبعد أن يكون المراد بها أيضا الاحتفاء بالرئيس السيسى وطمأنته إلى قيام الأجهزة المعنية بالواجب، بأكثر من مخاطبة الألمان وتوجيه رسالة إليهم. وفى كل الأحوال فإن الشعب لم تكن له علاقة بالموضوع. فلا هو انتدب أحدا لكى يسافر نيابة عنه، ولا كان مخاطبا بالترتيبات التى جرى الزج باسمه فيها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفودنا «الشعبية» وفودنا «الشعبية»



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib