نصيحة جديرة بالتعميم

نصيحة جديرة بالتعميم

المغرب اليوم -

نصيحة جديرة بالتعميم

فهمي هويدي

حين دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى قادة المتقاتلين فى اليمن إلى التحلى بالمسئولية واتخاذ القرار السليم الذى يجنب بلادهم الآثار الكارثية المترتبة على استمرار القتال، فإنه أسدى إليهم نصيحة ثمينة ليتهم يستجيبون لها. ذلك أن التحلى بالمسئولية يقتضى استعلاء فوق مشاعر الإقصاء والانتقام وتصفية الحسابات وعزوفا عن أطماع التمدد والانفراد بالحكم. كما يقتضى إعلاء المصالح العليا للوطن، من وقف نزف دماء أبنائه إلى الحفاظ على وحدته وإشاعة السلام بين ربوعه. فى الوقت ذاته فإنه لا سبيل للتوصل إلى القرار السليم الذى يخرج اليمن من محنته إلا من خلال الحل السياسى الذى يستدعى جلوس الجميع حول طاولة التفاوض، بعد إسكات صوت المدافع بطبيعة الحال. بما يسمح بإجراء حوار حول تحليل الأزمة وكيفية علاج جراحها، ومن ثم الاتفاق على خطوات إعادة اللحمة ووصل ما انقطع، الأمر الذى يفتح الباب لاستعادة الوفاق الأهلى والانطلاق نحو المستقبل.

جدير بالذكر فى هذا الصدد القرار السليم لا يكون بفرض طرف لرأيه على الآخر، حيث لا سبيل إلى تحقيقه إلا إذا صدقت النوايا وتم الاحتكام إلى المصلحة العليا للمجتمع دون تغليب مصلحة طرف على آخر. فى هذا الصدد فإننى أزعم أن الفتنة التى وقعت فى اليمن انطلقت أساسا بسبب عدم توافر هذا الشرط. ذلك أن الطرفين تحاورا طويلا وتوصلا إلى اتفاقات وتعهدات تحقق المشاركة وترسى أساس الوئام، إلا أن النوايا لم تكن صادقة أو صافية من جانب الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع على عبدالله صالح. حيث كشفت التجربة عن أن الاتفاقات أريد بها التسكين وتوفير الفرصة للالتفاف وكسب الوقت لإتمام التمكين. وقد سبق أن ذكرت قصة المناقشات التى استغرقت بعض الوقت لرفع حصار الحوثيين لاثنين من المعسكرات المهمة فى صنعاء، وكيف أن الجميع تنفسوا الصعداء حين أبلغوا أنه تم الاتفاق على رفع الحصار (يوم ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤) إلا أنهم لم يهنأوا بذلك طويلا لأنه ما أن حدث ذلك حتى تم الاستيلاء على صنعاء كلها فى اليوم التالى (٢١ سبتمبر). وبدا واضحا حينذاك أن الاستيلاء على صنعاء كان مضمرا وأن حصار المعسكرين كان حيلة لصرف الانتباه عن المخطط الأصلى.

وإذ أتمنى أن يستمع المتقاتلون فى اليمن إلى نصيحة الرئيس السيسى، فإننى أتمنى أن توجهها أيضا إلى المتقاتلين فى ليبيا. ذلك أن الموقف هناك لايقل عبثية عنه فى اليمن. بل ربما كان أكثر عبثية وتعقيدا. ذلك أنه إذا كان المتقاتلون طرفين فى اليمن فهم ثلاثة فى ليبيا. مجموعة طبرق فى الشرق الملتفة حول اللواء حفتر، ومجموعة طرابلس فى الغرب المنخرطون فيما سمى فجر ليبيا، وبينهما مجموعة «داعش» التى تقود معسكر المتطرفين من اتباع السلفية الجهادية. وفى حين تقاتل مجموعة حفتر معسكر فجر ليبيا، فإن الآخرين يحاربون على جبهتين. فهم يصدون جماعة حفتر من ناحية، كما أنهم يقاتلون مجموعة داعش التى تحاول السيطرة على سرت ويتطلعون للوصول إلى منابع النفط هذه الأيام. وفى الوقت الذى يتقاتل فيه الطرفان المتمركزان فى طبرق وطرابلس وتستهلك طاقاتهما فى الصراع الدائر، فإن ذلك يوفر فرصة مواتية لتمدد تنظيم داعش وإنعاش طموحاته، خصوصا أن الأخيرين يتحركون فى الصحراء الواسعة المفتوحة على عدة دول تنشط فيها الجماعات المتطرفة والإرهابية (الجزائر والنيجر ومالى). وهو ما يوفر لهما بيئة مناسبة للمناورة والانتشار والإمداد.

المثير فى الأمر أن الصراع والتجاذب بين جبهتى طبرق وطرابلس مستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات دون أن يتمكن أى منهما من إزاحة الآخر أو هزيمته، وكان الخاسر الأكبر جراء ذلك هو المجتمع الليبى الذى أهدرت طاقاته واستنزفت موارده وتدهورت فيه الخدمات كما تعطلت عجلة الحياة. وهو ما ضاعف من معاناة الناس الذين بات بعضهم مقتنعا بأن الثورة التى حدثت فى ليبيا نقلت البلاد من سيئ إلى أسوأ.

إذا أجلنا الحديث عن سوريا باعتبار أن حالتها لها تعقيدات وحسابات أخرى، فبوسعنا أن نقول إن الحالة الليبية أحوج إلى تلقى رسالة التحلى بالمسئولية واتخاذ القرار السليم، الذى يخرج البلاد من وضعها الكارثى الذى آلت إليه. ورغم أن هناك دعوات كثيرة إلى إيجاد حل سياسى للأزمة الليبية، إلا أن تلك الدعوات صادفت عقبات عدة، بعضها من داخل ليبيا وبعضها من جانب الدول الاقليمية. وفى حدود معلوماتى فإن الاتفاق فى هذا الصدد لم يتم بعد بين أهم دولتين عربيتين معنيتين بالشأن الليبى هما مصر والجزائر. لذلك فربما كان مهما بذات القدر أن تتحلى الدولتان بالمسئولية إزاء الشعب الليبى فى مجموعه دون تحيز أو إقصاء لأى طرف، عسى أن يمكنهما ذلك من اتخاذ القرار السليم لإعانته فى تجاوز محنته. وإذا حققت النصيحة نتيجة إيجابية فى ليبيا، فليتنا نحاول اختبار تطبيقها فى مصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيحة جديرة بالتعميم نصيحة جديرة بالتعميم



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib