فهمي هويدي
هذا خبر يجب أن يقرأ أكثر من مرة لكى يصدق ويستوعب. ذلك أننا فوجئنا صباح يوم الأربعاء الماضى 31/12 بخبر فى الصحف يقول إن شيخ الأزهر سيقوم بجولات فى آسيا وأفريقيا وأوروبا لمواجهة ظاهرة العداء للإسلام (الإسلاموفوبيا) وتحسين صورته التى شوهتها ممارسات العناصر المتطرفة والإرهابية. بدا الخبر مفاجئا ومحيرا، إذ مبلغ علمى أن الإمام الأكبر كانت لديه قبل ثلاث سنوات خطة لزيارة بعض الدول الأفريقية، وكان مقدرا فى ذلك الوقت أن يبدأ جولته بزيارة المملكة المغربية، وليست معروفة الأسباب التى أجلت تلك الجولة. من ثم فإن تحركاته خلال السنوات الأخيرة لم تتجاوز زيارة بعض الدول الخليجية تلبية لدعوات وجهت إليه. لذلك كان مفاجئا أن تعلن وسائل الإعلام المصرية إثر زيارة وزير الخارجية له أن اتفاقا تم على وضع خطة وصفتها جريدة الأهرام بأنها «عاجلة» لكى يقوم الدكتور أحمد الطيب بجولات فى القارات الثلاث «لتصحيح المفاهيم».
لم تعلن تفاصيل الخطة ولا مواعيد تنفيذها. إلا أننى استغربت فكرة إيفاد شيخ الأزهر شخصيا لكى يطوف بثلاث قارات فى مهمة استهدفت تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام ورد حملات تشويهه سواء من جانب خصومه وأعدائه أو من جانب بعض أبنائه، وهى مهمة تفوق طاقة أى إنسان مهما بلغت قدرته، فضلا أن جدواها مشكوك فيها إلى حد كبير.
إننا إذا حاولنا أن نتصور سيناريو تلك الخطة العاجلة فسنجد أن الرجل سيعد له برنامج لزيارة عواصم بعض الدول فى القارات الثلاث. حيث يلتقى فيها بالمسئولين عن النشاط الدينى وربما خاطب وسائل الإعلام فى مؤتمرات ترتب له للإجابة عن أسئلة الصحفيين. وقد يدعى لإلقاء بعض الكلمات والمحاضرات، الأمر الذى يستغرق عدة أيام قد تصل إلى أسبوع فى كل عاصمة. ولأن الكلام المنشور تحدث عن ثلاث قارات (واستثنى الولايات المتحدة لسبب غير مفهوم). فلك أن تتصور المدة التى يمكن أن تستغرقها الجولة إذا أعد برنامجها بذمة وكما يجب. لكنه قد يكتفى بزيارة بلدين أو ثلاثة فى كل قارة من باب سد الخانة ورفع العتب. وأرجح الاحتمال الثانى لأن شيخ الأزهر الذى لا يحب السفر كثيرا لا يستطيع أن يطوف بالقارات الثلاث مبلغا ومصوبِّا ومفندا ومحاججا، حتى إذا كان من أهل الخطوة وله كراماته ومعجزاته. وإذا ما اكتفى بزيارة بلد أو اثنين فى كل قارة، فإننا سنكون بصدد رحلة سياحية نظمت له ربما لاسترضائه وإخراجه مؤقتا من الأجواء غير المريحة التى تأذى منها بسبب صدورها عن وزير الأوقاف إثر تعكر العلاقات بين الرجلين. وهو ما اضطر رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب لزيارته وقتذاك فى مكتبه لتطييب خاطره وتخفيف أثر الجفاء الذى أغضب الإمام الأكبر وأثار حفيظته.
لا أعرف من الذى طرح الفكرة، وتصور أن جولة شيخ الأزهر فى القارات الثلاث حتى إذا أخذت على محمل الجد، يمكن أن تحسن الصورة وتغير المفاهيم وتحبط مساعى دعاة الإسلاموفوبيا. ولا أصدق أن الذين تحمسوا للفكرة افترضوا قدرات خارقة فى الإمام الأكبر تمكنه من تحقيق تلك الأهداف خلال عدة أسابيع أو عدة أشهر.
إن الصورة المشوهة والأفكار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين تعد جزءا من الثقافة السائدة. فى العالم الغربى بالذات. وهى حصيلة ممارسات وتراكمات ومعارف تشكلت عبر سنوات عدة، لذلك فإنه من السذاجة والتبسيط الشديد أن يظن أحد بأن كل ذلك يمكن أن يتغير بفضل زيارة شيخ الأزهر وحواراته التى يمكن أن يجريها فى العواصم المختلفة.
لا أعرف مدى استجابة الإمام الأكبر للفكرة، التى فهمت أنها لم تنبع من الأزهر ولكنها جاءت من خارجه، الأمر الذى يشم فيه المرء رائحة التكليف الذى يقدم فى صيغة اقتراح من جهات لا يرد لها كلام. لكننى لا أبالغ إذا قلت إن الجولة المفترضة إذا تمت فإنها سوف تنضم إلى المبادرات التى تسوق إعلاميا ولا تحقق مردودا يذكر، حيث يكتفى فيها بشرف المحاولة دون أن ينتظر منها عائد يذكر.
ليس لدى أى خلاف مع تشخيص المشكلة، لأننى أعى جيدا أننا نواجه أزمة مزدوجة. فالكارهون للإسلام يشوهونه وبعض المنتسبين إليه ينفرون الناس منه ويفضحونه.
الخلاف يفرض نفسه حين يطرح التفكير فى علاج المشكلة. وأزعم فى هذا الصدد أن تكليف شيخ الأزهر بالتجول فى ثلاث قارات لا يمثل علاجا بأى حال، بل لا يمثل حتى مسكِّنا، وأكرر أنه يقدم نموذجا لوهم الإنجاز الذى نسمع له ضجيجا ولا نرى له طحنا.
إن أفضل وسيلة للتعامل مع الإسلاموفوبيا هى أن يقدم المسلمون نموذجا مشرفا يسكت الخصوم ويكذب إدعاءاتهم. وتلك مهمة ليست من اختصاص الأزهر وشيخه. وإنما هى مسئولية موزعة بين أهل السياسة الذين يديرون العالم الإسلامى وبين الجاليات والأقليات المسلمة التى تعيش خارج ذلك العالم، أما الممارسات الخاطئة التى أسهمت فى عملية التشويه وكرَّهت كثيرين فى الإسلام فهى نتاج واقع فكرى متخلف وواقع سياسى ظالم، دفع البعض إلى التمرد والعنف. وتلك مشكلة لا تحل بجولات يقوم بها شيخ الأزهر فى القارات الثلاث، وإنما للأزهر أن يساهم فى حلها بانحيازه إلى الفكر الوسطى من خلال دفاعه المستمر عن العدل والحرية ووقوفه ضد الظلم بمختلف أنواعه، وتلك رسالة تؤدى فى الداخل وليس فى العالم الخارجى. ليتنا نواجه الأمر بصورة أكثر جدية.