لماذا نلوم داعش

لماذا نلوم داعش؟

المغرب اليوم -

لماذا نلوم داعش

فهمي هويدي


هذا حدث فى مصر، باسم مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن الفكرى، وبعد إطلاق الدعوة إلى الثورة الدينية وتعالى الأصوات الداعية إلى التنوير. إذ شكلت إدارة الهرم التعليمية بمحافظة الجيزة لجنة من أربعة موظفين، لفحص محتويات مكتبة إحدى المدارس الخاصة (مدرسة فضل الحديثة). وبعدما قامت اللجنة بمهمتها وجدت أن بمكتبة المدرسة «بعض الكتب غير المطابقة للمواصفات، وليست مسجلة ضمن القائمة الوزارية. لذا أمر المدير التنفيذى باستبعادها وحذفها ووضعها فى صندوق وتشميعها». هكذا ذكر محضر الاستبعاد الصادر عن الإدارة التعليمية.

ولإنجاز المهمة على نحو أفضل، وإعمالا لشعار «الاستئصال والإبادة هما الحل» فإن المسئولين عن الإدارة التعليمية فضلوا إحراق الكتب فى فناء المدرسة المذكورة، أمام تلميذاتها. ومن ثم جاءوا بها إلى الفناء، واصطف بالقرب منها بعض المسئولين، بمديرية التعليم، ظهر منهم فى الصور المتداولة أربعة من الأساتذة «المربين» وثلاث نساء محجبات، وتأكيدا لمشاعرهم الوطنية فإنهم لم يفتهم أن يحملوا أربعة أعلام مصرية بأيديهم، فى حين ظهر فى الخلفية نموذج كبير للعلم المصرى. كما حرصوا على دعوة بعض الإعلاميين، وممثلى الفضائيات لتسجيل المشهد. وعلى مرأى من الجميع سكب الجاز على كومة الكتب، وأشعلت فيها النيران. وفى التعليق على ما جرى قالت إحدى «المربيات» ــ سيدة تتولى وكالة مديرية التعليم ــ قال موقع «البداية» إنها رشحت وزيرة للتعليم يوما ما ــ إن الكتب تروج لفكر جماعة الإخوان وتحرض على العنف ــ كما أن تداولها ممنوع لأن مؤلفيها إرهابيون يقيمون فى قطر.

ما تم إحراقه ٧٥ كتابا، من بين عناوينها ما يلى: الإسلام وأصول الحكم لعلى عبدالرازق ــ منهج الإصلاح الإسلامى للشيخ عبدالحليم محمود ــ جمال الدين الأفغانى للدكتور عثمان أمين ــ دستور أمة الإسلام للدكتور حسين مؤنس ــ مكانة القدس فى الإسلام للشيخ عبدالحميد السايح ــ مكانة المرأة فى الإسلام لمحمد عطية الإبراشى ــ أصول الحكم فى الإسلام لمحمد فريد وجدى ــ من التبعية للأصالة لأنور الجندى ــ وسطية الإسلام للشيخ محمد محمد المدنى. وهؤلاء جميعا من الأعلام والرموز الذين أثروا فى العقل المصرى العربى، وجميعهم لا علاقة لهم بالإخوان. ثم إنهم من الذين رحلوا عنا وانتقلوا إلى الدار الآخرة. ولم يذهبوا إلى قطر.

هناك كتب أخرى شملها الحظر والحرق، بعضها صادر عن المجلس القومى للمخدرات، وأحدها عن بونابرت فى مصر لمؤلفه كريستوفر هيرولد، وكتابان أحدهما عن البوسنة والهرسك، والثانى عن المسلمين فى آسيا الصغرى. وثلاثة كتب لصحفيين، هم: عبدالعال الحمامصى (أقلام فى موكب النور). رجب البنا (البحث عن المستقبل) ــ سمير رجب (للسياسة رجال) ــ هذا إلى جانب كتب أخرى بعضها عن الغزو الثقافى ودور المرأة وعالم الجن والشياطين، وافتراءات أعداء الإسلام والمشاهير، الذين أسلموا والأخلاق الإسلامية.. إلخ.

الخبر نشرته مع صورة حرق الكتب صحيفة «المصرى اليوم»، أمس ١٤/٤، تحت العنوان التالى: وزارة التعليم تحرق كتبا فى مدارس الإخوان. وتحته أوردت تصريح وكيلة مديرية التربية والتعليم السيدة بثينة كشك التى بررت به الإجراء وأضافت إلى ما سبقت الإشارة إليه قولها إن الكتب ممنوع تداولها فى مصر (وهذا غير صحيح)، وأنه تم الحصول على الموافقة الأمنية على إحراقها. وذكرت أنه كان يمكن الاكتفاء بالتحفظ عليها وتشميعها بالشمع الأحمر، لكن قرار الحرق اتخذ «لحماية الأطفال من غسيل المخ»، الذى كان يحدث فى هذه المدارس (الإخوانية).

لفت نظرى أن الجريدة نشرت الخبر وتبريره بغير تعليق، ودون إشارة إلى الكتب المهمة، التى ألفها علماء كبار ولقيت ذلك المصير البائس. إلا أن جريدة «التحرير» كان موقفها أفضل بكثير إذ ذكرت فى العناوين أن: محرقة كتب ابن رشد تتكرر فى مدرسة بالجيزة ــ إشعال النار فى مؤلفات شيخ الأزهر الأسبق وعلى عبدالرازق والسنهورى بدعوى حضها على العنف. وفى السطر الأول من الخبر وصفت الحدث بأنه «جريمة بشعة».

لا أخفى أننى لم أصدق الخبر حين طالعته أولاً فى موقع «البديل». وكذبت عيناى حين قرأت الوثائق المنشورة، ولم أجد مفرا من تصديقه حين وجدته منشورا ومدعما بالصور فى صحف أمس. إذ صدمتنى فكرة حرق الكتب من جانب نفر من المربين أمام طالبات المدرسة. واعتبرت التلويح بالعلم المصرى فى المشهد ابتذالاً وإهانة له. وخلصت إلى أن الحدث بمثابة وصمة عار فى جبين المرحلة التى نعيشها. خصوصا أن وراءه مسئولين فى وزارة التربية والتعليم وموافقة أمنية مسبقة ومباركة من بعض المنابر الإعلامية.

لم أستطع أن أبرىء وزير التربية والتعليم من المسئولية، وهو من سبق أن وافق بتحريض بعض الأكاديميين، والإعلاميين، على إدراج عقبة بن نافع وصلاح الدين الإيوبى فى القوائم السوداء، وأقر حذف أجزاء من سيرتهما من مناهج التعليم، لأن الأول ارتكب جريمة فتح أفريقيا، والثانى كانت جريمته أنه قام بطرد الصليبيين من ديار الإسلام. كما كانت جريمة مؤلفى الكتب التى أحرقت أنهم حاولوا شرح الإسلام ودافعوا عنه. وهو ما يعنى أن الاستقطاب والصراع دخل مرحلة العبث والجنون، الأمر الذى جعلنى أتساءل: إلى أين نحن ذاهبون؟ ولماذا نلوم «داعش» إذا كنا نفكر بعقلها ونستخدم نفس أساليبها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا نلوم داعش لماذا نلوم داعش



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib