عن بعض مواجعنا

عن بعض مواجعنا

المغرب اليوم -

عن بعض مواجعنا

فهمي هويدي


مناسبة يوم حرية الصحافة ذكرتنا بمواجعنا. وتزامنها مع ذكرى مرور ٦٥ عاما على وفاة جورج أورويل الذى خلد فضيحة دولة التكميم التى أنشأت وزارة «الحقيقة» يشجعنا على البوح ومواصلة دق أجراس التنبيه والتحذير. أمس الثالث من مايو حلت المناسبة الأولى التى أعلنتها الأمم المتحدة. أما جورج أرويل فقد رحل عن عالمنا فى عام ١٩٥٠، واشتهر بروايته عام ١٩٨٤، التى حذر فيها من تحول بريطانيا إلى دولة الحزب الواحد، التى أسماها دولة «الأخ الأكبر»، التى أصبحت فى زماننا نموذجا شائعا فى عالمنا العربى.

منظمة فريدوم هاوس (بيت الحرية) أصدرت يوم الأربعاء الماضى ٢٩/٣ بيانا فى المناسبة ذكرت فيه أن عام ٢٠١٤ شهد تراجعا فى حرية الصحافة لم تبلغه منذ عشر سنوات. إذ تعرض الصحفيون خلال ذلك العام إلى ضغوط مكثفة وانتهاكات عديدة لحقوقهم. أضاف التقرير أن الحكومات استخدمت الدواعى الأمنية وحملة مكافحة الإرهاب ذريعة لإسكات الأصوات الناقدة. كما لجأت مجموعات الضغط والعصابات الإجرامية إلى أساليب متعددة لترهيب الصحفيين. أما أصحاب رءوس الأموال الذين يهيمنون على وسائل الإعلام فقد لجأوا إلى التلاعب بمضمون المعلومات لخدمة مصالحهم السياسية والاقتصادية، وذكرت جنيفر دنهام المسئولة عن التقرير أن من التطورات المقلقة أن الأنظمة الديمقراطية بدلا من أن تشجع الصحافة النزيهة والموضوعية وتكفل حرية الإعلام باعتبارها من تجليات وضمانات الممارسة الديمقراطية، فإنها لجأت إلى الرقابة ومحاولة فرض آرائها وأفكارها. وكانت النتيجة انه من أصل ١٩٩ دولة وكيانا شملها التقرير فإن ٦٣ دولة فقط وصفت بالحرة ــ و٧١ وصفت بأنها حرة جزئيا ــ و٦٥ اعتبرت غير حرة. مما ذكره التقرير فى هذا الصدد أن ١٤٪ فقط من سكان الأرض يعيشون فى بلدان الصحافة فيها حرة و٤٢٪ فى بلدان الصحافة فيها حرة جزئيا، و٤٤٪ فى بلدان تعانى من تقييد الصحافة.

فى هذا السياق تستوقفنا الندوات التى نظمتها فى الوقت الراهن مكتبة مارتن لوثر كنج فى واشنطن بمناسبة مرور ٦٥ عاما على وفاة الكاتب البريطانى جورج أورويل، وشارك فيها نخبة من المثقفين الأمريكيين الذين ضاقوا ذرعا بالإجراءات التى أصبحت تهدد الحرية الشخصية فى الولايات المتحدة، خاصة بعد انكشاف أمر شبكات التجسس العملاقة التى تديرها وكالة الأمن الوطنى (إن. إس. ايه).

قرأت تقريرا عن تلك الندوات نشرته جريدة الشرق الأوسط (فى ٢٨/٤) لمراسلها من واشنطن الزميل محمد على صالح. وقد أشار فيه إلى أن الأمريكيين لا يخشون من ديكتاتورية الحزب الواحد التى حذر منها أورويل فى كتابه، إلا أن سيطرة حزبين على الحكومة جعلت كثيرين من المثقفين يشكون من زيادة تدخل الحكومة فى الحريات الشخصية للمواطنين، خصوصا فيما يتعلق بحرية التعبير. وهى المشكلة التى ظهرت بعد هجمات ١١ سبتمبر عام ٢٠١١ وإعلان الرئيس السابق جورج دبليو بوش ما أسماه بالحرب العالمية ضد الإرهاب. وفى حواراتهم حول الموضوع استدعى مضمون كتاب أورويل (١٩٨٤) ووصفه لحياة الناس عندما تتدخل الحكومة فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتهم.

من بين الذين شاركوا فى تلك المناقشات أستاذ القانون فى جامعة جورج واشنطن نيل ريتشاردز مؤلف كتاب «الخصوصية الفكرية» (انتليكتشوال بريفاسى) الذى نبه فيه إلى قرار المحكمة العليا الذى حمى حرية التعبير حتى وان كانت خطأ أو كانت مسيئة لبعض الشخصيات العامة. طالما أنها تمت فى إطار حوار شعبى حر. وكان ذلك الحكم التاريخى قد صدر فى قضية رفعتها وزارة الدفاع الأمريكية ضد صحيفة نيويورك تايمز، لمنعها من نشر تقرير سرى كتبه خبراء بالوزارة المذكورة توقعوا فيه فشل التدخل العسكرى فى فيتنام الذى استمر عشرة أعوام (من ١٩٦٣ إلى ١٩٧٣) ــ وقد طال أمد النزاع حتى وصل إلى المحكمة العليا المختصة بتفسير الدستور. فحسمته لصالح الجريدة بقرارها المتقدم.

فى تلك الندوات دعا بعض المثقفين إلى الضغط على أعضاء الكونجرس لوقف تجسس وكالة الأمن الوطنى (إن. إس. إيه) وغيرها على الشعب الأمريكى. وقارن آخرون بين بريطانيا التى لاتزال التحقيقات فيها مستمرة حول ملابسات اشتراك رئيس وزرائها تونى بلير فى غزو العراق، وبين الولايات المتحدة التى لم يجرؤ أحد فى الكونجرس على المطالبة بالتحقيق فى ذلك الغزو.

هذه الخلفية قد تريح البعض وتلقى ترحيبا منهم، إذ بوسعهم أن يقولوا إننا فى مصر جزء من ذلك العالم الذى يضيق على الحريات والصحفيين ويتم فيه التجسس على الجميع، وهو ما لا تستثنى منه دولة ديمقراطية كبرى كالولايات المتحدة، وتلك حجة تبدو وجيهة فى ظاهرها، لكن يعيبها عدة أمور، منها أننا حين نقارن بين ما يحدث فى بلادنا وبين ما يحدث فى الديمقراطيات المتقدمة، فإننا ننتقى أسوأ ما عندهم وننزعه من سياقه العام لكى نبرر به سوءاتنا. الأهم من ذلك ان تعاملهم مختلف مع أمثال تلك السوءات. فهناك مؤسسات تمثل المجتمع أو الرأى العام ترصدها وتكشفها وتحاسب المخطئين المسئولين عنها، إلى جانب أن الدولة لا تتردد فى الاعتراف بالخطأ إذا وقع (موقف أوباما من التعذيب أو من عنصرية الشرطة)، ثم إن هناك قضاء مستقلا بوسعه أن يحاسب الدولة وينصف المظلوم. وهذه الملابسات كلها تعطى الناس ثقة فى الحاضر وأملا فى الإصلاح يطمئنهم إلى المستقبل. وهى عوامل إذا وضعت فى الاعتبار فسوف نكتشف أننا قد نشترك حقا مع ذلك العالم فى بعض سوءاته، لكننا ننفصل عنه فى كل ما عدا ذلك. وهى شهادة علينا وليست لنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن بعض مواجعنا عن بعض مواجعنا



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 18:33 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

نقاش فلاحي يجمع المغرب وإسبانيا

GMT 06:29 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

منفذة هجوم كاليفورنيا تعلمت في مدرسة دينية باكستانية

GMT 21:33 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة السوداء خيار كلاسيكي للرجل الأنيق

GMT 00:08 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تعرفي على حيل لزيادة مساحة "الغرف الضيقة"

GMT 08:16 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز المعالم السياحية في مدينة صوفيا البلغارية

GMT 09:01 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على Sorento الجديدة كليا من كيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib