عن أزمة الشفافية والثقة

عن أزمة الشفافية والثقة

المغرب اليوم -

عن أزمة الشفافية والثقة

فهمي هويدي

الخبر كان مهما، لكننى لم أفهم دواعيه. أتحدث عن إقالة رئيس المخابرات العامة فى مصر ــ اللواء محمد فريد التهامى التى تمت يوم الأحد الماضى 21/12، ولايزال الغموض يحيط بخلفياتها، حتى يوم أمس على الأقل. وحين تابعت بعد العودة من تونس ما نشرته الصحف المصرية من تحليلات وتأويلات فى هذا الصدد، فإن تعدد الاجتهادات ضاعف من الغموض، ولم يقدم تفسيرا شافيا أو مقنعا.

الشىء الوحيد الذى اقتنعت به أن الرواية الرسمية والتصريحات شبه الرسمية لم تذكر الحقيقة. فالرواية المذكورة تحدثت عن أن إقالة الرجل تمت لأسباب صحية، وأنه كان قد سافر إلى ألمانيا لإجراء عملية تركيب مفصلين صناعيين له فى شهر أكتوبر الماضى، ولكن الآلام عاودته، وأصبح مضطرا للسفر إلى الخارج عدة مرات لمواصلة العلاج، وهو ما استلزم إعفاءه من منصبه، وقد شككت فى الرواية اجتهادات أخرى كان من بينها أن الرجل عاد إلى العمل بعد رحلة ألمانيا، وعاود نشاطه حين سافر فى مهمة إلى السعودية فى أوائل ديسمبر. بالتوازى مع ذلك قرأت لمن قال إن إقصاءه قوبل بترحيب فى أوساط جهاز المخابرات العامة، الأمر الذى أعطى انطباعا بأن الرجل كان مرفوضا من جانب تلك الأوساط. وهو ما لم يكن سببا مقنعا لعزله. إلا أن البعض تحدثوا عن علاقة قرار استبعاده بالصفقة التى التى تمت بين مصر والسعودية وقطر. واستغربت ما قاله أكثر من واحد إن التسريبات التى جرى بثها عبر قناة الجزيرة بخصوص مكان احتجاز الدكتور محمد مرسى خرجت من مكتبه. بل تردد أن القناة توفرت لديها تسجيلات أخرى أحجمت عن بثها، وقد أبلغت مصر بها. لكن جانبا غير قليل من التحليلات التى قرأتها ربطت بين صدور قرار إعفاء اللواء التهامى وبين ما سبق أن ذكره الأستاذ محمد حسنين هيكل فى أحد حواراته التليفزيونية عن أن الرئيس السيسى ينبغى أن «يثور على نظامه». فمن قائل إن التزامن مجرد مصادفة، وقائل بأن السيسى بدأ بالفعل فى إعادة النظر فى فريقه. ويذكر فى هذا الصدد أن صحيفة التحرير طرحت السؤال صراحة فى أحد عناوينها، حيث كان العنوان الرئيسى «المانشيت» للعدد الذى نشر فيه خبر إقالة اللواء التهامى (فى 22/12) كالتالى: هل بدأ السيسى الثورة على نظامه؟ ــ وحين أبرز مانشيت الأهرام فى 21/12 قول الرئيس السيسى إن ثمة إصلاحا تدريجيا لمؤسسات الدولة لتحقيق أهداف الثورة. فإن البعض منهم فهموا أن الخطوة التى تمت تدخل فى إطار تلك الإصلاحات.

ما نشرته جريدة «الشروق» يوم الثلاثاء 23/12 ألقى أضواء أخرى على ملابسات القرار. فقد نقلت عن مصدر رسمى قوله: «إن أسبابا عديدة وراء رحيل التهامى المفاجئ عن المخابرات العامة». من تلك الأسباب ثلاثة، هى: فتح باب المصالحة مع الشباب والمجتمع المدنى ــ قطع الطريق على عودة شخصيات مرفوضة شعبيا ــ ترتيبات إقليمية لمواجهة خطر الإرهاب. وإذا صحت نسبة هذا الكلام لمصدر رسمى فإنه يعنى أن وجود اللواء التهامى الذى قالت صحيفة نيويورك تايمز إنه من «الصقور» فى السلطة، كان عقبة فى طريق تحقيق الأهداف المذكورة. وهو ما يوسع من دائرة الحيرة ويفتح الباب لسيل آخر من الأسئلة حول حقيقة الدور الذى قام به فى هذه المجالات وفى غيرها.

ليس لى أى رأى فيما أثير من تكهنات أو استنتاجات، ولا أستطيع ترجيح تفسير على آخر. فضلا عن أننى لست فى موقع يسمح بتقييم دور الرجل فى موقعه الرفيع والحساس. لكننى سمعت الكثير عن تشدده فى حوارات أزعجت سامعيه وعن دور له فى عدة حملات التى أطلقتها بعض المنابر الإعلامية مستهدفة تصفية حسابات داخلية معينة. وقد علمت ممن أثق فى اطلاعه أن الرئيس السيسى سأل مرة عما وراء إحدى الحملات التى استهدفت تجريح بعض الشخصيات العامة، وحين قيل له إن اللواء التهامى هو من يقف وراءها، فإنه أبدى دهشته من ذلك. وحين قيل أكثر من مرة أن الفريق المحيط بالرئيس السيسى يتصارع عليه، فإن ذلك يضيف ضوءا آخر على خلفيات القرارات التى نفاجأ بها ولا نعرف شيئًا عما وراءه.

أيا كان الأمر، فالثابت أن ما ذكر عن مرضه منسوب إلى المصادر السياسية ليس السبب الأوحد، ولا هو السبب الأول لاتخاذ القرار. كما أن غياب الشفافية فى التعامل مع الخبر فتح الباب للتكهنات التى ذهبت بعيدا فى التفسير والتأويل. ولكم تمنيت أن يصاغ خبر إقالة الرجل بصورة تغلق الباب أمام الشطط فى التفسير، وتعزز الثقة فيما يصدر من بيانات رسمية. كى لا تهتز تلك الثقة حين يكتشف الناس أن التصريح الرسمى يضللهم، من حيث إنه يموه عليهم ولا يعبر عن الحقيقة. لقد تم تكريم الرجل وهذا حقه. لكن حق المواطن فى أن يعرف تم تجاهله وإهداره وذلك مما يؤسف له.

أعرف مسئولين كبارا ــ منهم وزراء ــ لا يعرفون لماذا تم اختيارهم لمناصبهم ولماذا تم إقصاؤهم عنها فى وقت لاحق. ثم إنهم لم يعرفوا لماذا تم امتداحهم فى وقت ولماذا شنت عليهم حملات التشهير فى وقت آخر. ولست واثقا مما إذا كان ذلك الغموض قد أصبح من تقاليد اللعبة السياسية فى مصر، أم أنه من إفرازات غياب الديمقراطية. لكننى أعرف أن الثقة فى التصريحات الرسمية أمر لا غنى عنه فى الإدارة السياسية الرشيدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أزمة الشفافية والثقة عن أزمة الشفافية والثقة



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib