رد اعتبار القضاء

رد اعتبار القضاء

المغرب اليوم -

رد اعتبار القضاء

فهمي هويدي

هذا خبر مهم لم تكترث به الصحف المصرية فى حين كان له صداه القوى فى المواقع الإلكترونية. فقد أصدرت محكمة النقض حكما بإلغاء السجن المؤبد لثلاثة من المتهمين بحيازة أسلحة والمشاركة فى أحداث العنف بمنطقة حدائق القبة بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة فى شهر أغسطس عام ٢٠١٣. وقررت المحكمة إعادة محاكمة الثلاثة (الشقيقتان هند ورشا منير وثالث معهما) أمام دائرة محكمة جنايات غير التى عاقبتهم فى شهر أغسطس عام ٢٠١٤. حكم استند إلى أن القضية انبنت على تحريات الأمن التى لا تعتبر ضمن الأدلة الجنائية المعترف بها قانونا، الأمر الذى وصم الحكم بالبطلان.

حين تتبعت الموضوع وجدت أن حكم النقض ليس وحيدا، ولكن له سوابق عدة، أبطلت فيها المحكمة العليا عدة أحكام أحدثت ضجيجا فى مصر والعالم العربى واحتلت عناوين الصحف وقت صدورها. إذ وقعت على تفاصيل بهذا الصدد نشرها موقع «دوت مصر» القريب من الدوائر الأمنية، من أبرزها أن محكمة النقض راجعت الأحكام الصادرة فى عشرات القضايا منها: أحداث مطاى بالمنيا وأحداث عنف كفر الشيخ وقضية المتهمين بقتل اللواء نبيل فرج وخلية الماريوت وأحداث عنف الإسكندرية، إلى جانب قضية مذبحة رفح الثانية. فى هذه القضايا وأمثالها فإن المحكمة المذكورة قررت إلغاء العقوبات الصادرة ضد المتهمين جميعا وأمرت بإعادة المحاكمات من جديد.

من الملاحظات المهمة فى التقرير أن حيثيات النقض كشفت عن مجموعة من الثغرات القانونية التى وقعت فيها دوائر الإرهاب، منها ما يلى:
< أوضحت محكمة النقض عقب نظرها قضية أحداث العدوة بالمنيا التى اتهم فيها الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان وآخرون، أن محكمة الجنايات التى عاقبت المتهمين بأحكام وصلت إلى الإعدام، انعقدت ونظرت الدعوى دون حضور محامين للدفاع عن المتهمين أو انتداب محامين من قبل النقابة. وهو ما اعتبرته المحكمة «إخلالا بحق المتهمين فى تفنيد التهم التى وجهت إليهم، الأمر الذى يبطل إجراءات محاكمتهم».

< فى ذكرها لأسباب إلغاء أحكام قضيتى «أحداث العدوة وأحداث مطاى» أن محكمة الجنايات أخطأت فى تطبيق القانون حين أصدرت أحكاما بإعدام من هم فى حكم الأطفال ممن لا تتجاوز أعمارهم ١٨ عاما، ما يدلل على أن دائرة الإرهاب لم تكلف نفسها مطالعة أوراق القضيتين وبيان السن القانونية لمن تصدر ضدهم العقوبات.

< فى القضية التى اشتهرت إعلاميا بـ«خلية الماريوت» قالت محكمة النقض إن المحكمة التى نظرت القضية أدانت المتهمين بالانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، وتتخذ من الإرهاب وسيلة لتنفيذ الأغراض التى تدعو إليها وهى جماعة الإخوان، دون أن تدلل على وجود تلك الجماعة والغرض من تأسيسها قبل انضمامهم إليها، وكيفية انضمامهم لها ومدى علمهم بالغرض من تأسيسها. كما أوضحت محكمة النقض فى أسباب إلغاء عقوبات المتهمين فى خلية ماريوت أن محكمة الجنايات تعجلت فى فصلها فى الدعوى قبل ورود تقرير الطب الشرعى الذى طلبته من المتهمين بعد قولهم إنهم تعرضوا لإكراه مادى ومعنوى للإقرار بأمور غير صحيحة، إلى جانب عدم استكمالها التحقيق فى القضية كما أوصت النيابة العامة، ما يصيب الحكم بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع.

< فى قضية قتل اللواء نبيل فرج أحد قيادات الأمن التى اتهم فيها ٢٢ شخصا من بلدة كرداسة بمحافظة الجيزة. قررت محكمة النقض إلغاء أحكام الإعدام الصادرة ضد ١٢ منهم اتهموا فى واقعة القتل. وقالت المحكمة فى تبرير قرارها إن محكمة الجنايات اقتصرت فى التدليل على ارتكاب المتهمين للجريمة على ما حصلته من أقوال وتحريات أحد ضباط الأمن الوطنى دون أن يورد الضابط دليلا يعزز هذه التحريات ويساندها. وهو ما اعتبرته المحكمة فسادا فى الاستدلال وقصورا فى البيان تعين معه نقض الحكم وإلغاؤه.

< خلص التقرير إلى أن محكمة النقض فى أغلب قضايا الإرهاب التى نظرتها انتقدت اعتماد محاكم الجنايات على تحريات جهاز الأمن الوطنى كدليل رئيسى. وفى بعض الوقائع دليلا وحيدا على ارتكاب المتهمين لجرائمهم، وقررت فى ذلك «أنها لا يمكنها التعويل فى تكوين عقيدتها على تحريات جهاز الأمن الوطنى، ولا تصلح التحريات ان تكون وحدها دليلا بذاته أو قرينة بعينها على الوقائع المراد إثباتها ضد المتهمين».. وهذا المبدأ الذى أشارت إليه المحكمة متواتر فى أحكام المحكمة الدستورية العليا، التى رفضت اعتبار تحريات الأمن دليلا ووصفها بأنها لا تعدو أن تكون رأيا لقائلها.

ما أدهشنى فى تقرير موقع «دوت مصر» أنه نشر تحت عنوان «محكمة النقض انتصرت للإخوان على دوائر الإرهاب»، لأن الانتصار الحقيقى هو للقانون ولقيمة العدل، التى عصفت بها محاكم الجنايات فى العديد من قضايا الإرهاب. علما بأن إلغاء الأحكام لا يعنى بالضرورة تبرئة المتهمين، وإنما يعنى أن فسادا شاب نظر القضية، وفى حال علاج ذلك الفساد فقد تتم إدانة المتهمين أيضا والحكم عليهم بعقوبات أخرى، كما قد تتم تبرئة بعض منهم. وللأسف فإن التشوهات التى أحدثتها التعبئة الإعلامية المضادة شحنت كثيرين بالرغبة فى الانتقام والقمع بأكثر مما حفزتهم للدفاع عن إحقاق الحق وإقامة العدل. وما أقدمت عليه محكمة النقض فى حقيقته بمثابة سعى فى هذا الاتجاه، لا ينصف المظلومين فحسب ولا يعيد للقانون هيبته واحترامه فحسب، ولكنه أيضا يعيد الثقة فى عدالة القضاء التى شوهتها الأحكام الفاسدة والمتعجلة.

وأخشى ما أخشاه ان تكون أحكام النقض هذه قد أثارت حفيظة الدوائر الأمنية واستنفرتها للدفاع عن تقارير رجالها، وهو ما شممت رائحته فى مشروع قانون الإرهاب الجديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رد اعتبار القضاء رد اعتبار القضاء



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib