ذريعة المؤامرة

ذريعة المؤامرة

المغرب اليوم -

ذريعة المؤامرة

فهمي هويدي

أحدث فرقعة فى الفضاء الإعلامى المصرى تحدثت عن كيانات شيطانية خفية تدبر مؤامرات على العالم عبر مجلس وهمى يسخر العلم والطبيعة لتأديب المتمردين، وذلك عبر إشاعة الفوضى والخراب من خلال الزلازل والأعاصير والسيول الجارفة والمجنونة. وذلك بهدف إلحاق الهزيمة وتركيع أى طرف متمرد يراد الخلاص منه دون ان يظهر الفاعلون الحقيقيون على المسرح.

إذ حين يبث ذلك الكلام على شاشة التليفزيون، وحين يصدر عن أناس يدعون أن لهم علاقة بالاستراتيجية ورؤية ما لا يراه عامة الخلق، ويردده إعلاميون فى برامج يفترض ألا علاقة لها بالشعوذة أو الفكاهة فإن المشاهد العادى يعذر إذا ظن حدوث أى شىء  آخر.

وإذا كان لنا ان نغفر ذلك ونمرره إذا ما صدر الكلام عن أناس مشكوك فى سلامة قواهم العقلية أو آخرين يتعاطون أصنافا رديئة من المخدرات وحبوب الهلوسة، فإن الأمر لابد أن يختلف إذا صدر عن أناس محترمين وعقلاء، أو هكذا يبدون لنا على الأقل. ليس لدى ما أقوله عن حكاية المجلس الأعلى للعالم التى جرى الترويج لها أخيرا عبر إحدى القنوات الخاصة سواء لمحدودية معارفى العلمية أو الفقر فى قدراتى الفكاهية. لكننى سأتوقف عند مسألتى المؤامرة والاستهداف اللتين يتحدث عنهما بعض العقلاء حينا بعد حين.

إذ أرجو أن يفهم ابتداء أنه ليس كل من خالفنا فى الرأى يعد متآمرا. وحين يحدث ذلك فى الداخل فربما كانت لمن خالفنا وجهة نظر أخرى فى تحقيق المصلحة الوطنية. وحين يحدث من جانب جهة فى الخارج فربما وجدت تلك الجهة ان الموقف المصرى يتعارض مع مصالحها أو مبادئها. فى هذه الحالة لا ينبغى أن يعد الدفاع عن المصالح أو المبادئ تآمرا علينا. فنحن مثلا نحتفى بالمنظمات الحقوقية الدولية إذا امتدحتنا ونبرز بياناتها إذا كشفت عورات مخالفينا، لكننا نسارع إلى اتهامها بالتآمر إذا انتقدتنا. وفى الحالة الأولى نصفها بأنها حقوقية، أما فى الحالة الثانية فانها تصبح مخترقة من الإخوان ومشتراة من جانب التنظيم الدولى.

أفهم ان تتآمر علينا بعض الدول إذا هددت مصر مصالحها، كما حدث فى المرحلة الناصرية حين وقفت مصر إلى جانب حركات التحرير فساندت الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسى، ووقفت مؤيدة لمنظمة التحرير فى مواجهة إسرائيل، الأمر الذى كان سببا للعدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦، إلا أن ذلك لم يعد واردا الآن. فلا مشروع لمصر الراهنة، ولم يعد لحركات التحرير وجود فى القاهرة. حتى إسرائيل لم تعد على جدول الصراع. وأصبحت تصنف نفسها ضمن معسكر الاعتدال العربى. بالتالى فليس هناك ما يضطر الدول المحيطة إلى التآمر على مصر. وللعلم فإن الأربعين سنة التى انتكست فيها مصر وتقزمت خلال عهدى الرئيسين السادات ومبارك لم يعد ذلك راجعا إلى تآمر من الخارج، وإنما كان كل ما أصاب مصرإنتاجا محليا بحتا.

حكاية الاستهداف بدورها تحتاج إلى تحرير. ذلك أن مصر بأمر الجغرافيا بلد له استراتيجيته وأهميته فى المنطقة، وتاريخه حافل بالطامعين والغزاة، حتى نقل الدكتور جمال حمدان عن أحد المستشرقين فى كتابة شخصية مصر انه بلد أكبر وأهم من ان يترك لأهله. ومشكلتها ليست فى كثرة الطامعين فيها لأن الآخرين لهم تطلعاتهم وحساباتهم، ولكنها فيما تملك من عناصر القوة والمتعة أو فيما تعانى منه من هشاشة وضمور. وهى بقوتها تصد الآخرين وتوقفهم عند حدودهم، وهى فى ضعفها تستدعيهم وتفتح شهيتهم للتمدد.

إن خطورة الكلام عن التآمر والاستهداف تكمن فى أنه يروج للاستسلام والانكسار، من حيث انه يعنى أن قدر مصر أن تظل ضحية دائما، وأن مصيرها ليس بأيديها ولكن الآخرين هم الذين يصنعونه، وتلك أكذوبة كبرى يروج لها الضعفاء الذين ترتفع أصواتهم فى أزمنة الانحسار والهزيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذريعة المؤامرة ذريعة المؤامرة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib