خوف على الجامعة

خوف على الجامعة

المغرب اليوم -

خوف على الجامعة

فهمي هويدي

خوفنا على الجامعات المصرية يزداد يوما بعد يوم. على الأقل فذلك ما توحى به الأخبار المنشورة وغير المنشورة. إذ لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالخوف حين يقرأ فى الصحف الصادرة صبيحة يوم 23 فبراير الحالى أن أستاذا بقسم الفلسفة بكلية آداب المنصورة اسمه الدكتور عادل بدر انتقد النظام القائم بعد الانتهاء من مناقشة رسالة للماجستير يوم الخميس 19/2. لكن نقده لم يمر، إذ نقل الكلام إلى عميد الكلية الذى حرر مذكرة بالواقعة. ثم قدمها إلى رئيس الجامعة الذى استنفر بدوره وأصدر قرارا بوقف الأستاذ عن التدريس وإحالته إلى التحقيق، وحين نشرت جريدة «اليوم السابع»الخبر فإنها صاغته بحيث نسبت إلى الأستاذ قوله ان نظام الحكم عسكرى واستبدادى مضيفا انه لاتوجد نهضة فى مصر وانه ضد النظام الحالى. وقالت الجريدة إن كلام الأستاذ استقبل باستنكار عام من جميع الحضور، وان الرجل اعتذر رسميا عما بدر منه، ورغم ذلك فإن رئيس الجامعة «أحاله للتحقيق حفاظا على القيم والمبادئ الجامعية، حتى لايتكرر ذلك لأن الجامعة منبر للعلم فقط وليست مكانا للسياسة».

جامعة الأزهر شهدت واقعة أخرى فى نفس التوقيت. ذلك ان رئيس الجامعة كان قد أصدر قرارا بتعيين الدكتور ماجد عبدالسلام عميدا لكلية الدعوة الإسلامية، من بين ثلاثة أساتذة تم ترشيحهم للمنصب. ومفهوم ان قرارا من ذلك القبيل لايصدر إلا بعد إجراء التحريات اللازمة من جانب الجهات المعنية والأمنية فى المقدمة منها. وبعدما أبلغ العميد الجديد بالقرار شاع الخبر وإذا بأحدهم يبلغ رئيس الجامعة بأن الدكتور ماجد كان مستشارا لوزير الأوقاف السابق فى حكومة الإخوان، وهو ما لم تشر إليه التحريات التى أجريت عنه. بسبب من ذلك فإن رئيس الجامعة سارع إلى إلغاء قراره بعد 12 ساعة من صدوره، وقال لجريدة الأخبار إن ترشيح الدكتور ماجد عبدالسلام لم يكن نهائيا. لأنه كان ينبغى أن يقدم اسمه إلى رئيس الوزراء لاستصدار قرار تعيينه بمتقضى سلطته. ونقلت عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط قوله ان معيار ترشيح أى عميد للتعيين هو ثبوت انتمائه إلى مصر «الحبيبة» وإلى الأزهر وإلى جامعته، بعيدا عن أى انتماء سياسى أو حزبى أو مذهبى. مما ذكره رئيس الجامعة أيضا انه بعد ترشيح شخص لمنصب عميد كلية فإنه يتم وضعه تحت الاختبار لمدة معينة، وإذا أثبت ولاءه وتوافرت الصفات المطلوبة للمنصب يتم تقديم اسمه لرئاسة الوزراء لاستصدار قرار تعيينه.

القصتان السابقتان وقعتا فى الأسبوع الماضى، وهما تعبران عما آل إليه وضع الجامعة، وكيف عوقب أستاذ بالإيقاف وأحيل إلى التحقيق لأن له رأيا مخالفا فى الوضع القائم، كما ان أستاذا رشح للعمادة ثم ألغى تعيينه للشك فى ولائه للأزهر، بعدما بلغ مرتبة الأستاذية فيه، لمجرد أنه كان مستشارا لوزير فى حكومة الإخوان. وقيل ان العميد يوضع تحت الاختبار للتثبت من ذلك الولاء.

إذا أضفت إلى ذلك الاسلوب فى التعامل مع الأساتذة والعمداء سلسلة الإجراءات التى اتخذت بحق الجامعات خلال الأشهر الماضية فستجد ان الخوف له ما يبرره. أتحدث عن قرار إلغاء انتخاب العمداء وإطلاق يد السلطة التنفيذية فى تعيين الأشخاص الذين تتخيرهم فى ضوء حساباتها. وليس أولئك الذين يحصلون على ثقة أعضاء هيئات التدريس بكل كلية. أتحدث أيضا عن عمليات التفتيش التى بات يتعرض لها الأساتذة كل يوم بدعوى احتياطات الأمن، كما أتحدث عن تعديل قانون تنظيم الجامعات بما يعطى مدير الجامعة سلطة فصل الأساتذة دون الرجوع إلى لجان التحقيق. أما فصل الطلاب فقد بات أمرا مفروغا منه. أتحدث كذلك عن عودة أجهزة الأمن تحت مسميات مختلفة، واحاطة الجامعات بالمدرعات، بعدما ناضل الأساتذة طويلا ونجحوا فى استصدار حكم بإلغاء الحرس الجامعى. أضيف إلى ما سبق الشلل الذى أصاب مراكز البحوث فى الجامعات بعد تقديم الاعتبارات الأمنية على كل ما عداها. كما أضيفت بدعة «الطلاب الوطنيين» الذين أصبحوا عيونا للأجهزة الأمنية مجندة للوشاية بزملائهم. وهى الأجواء التى أوقفت أنشطة الاتحادات الطلابية، بعد إصدار لائحة لم يكن للطلاب رأى فيها. ثم تأجيل إجراء انتخابات الاتحادات لأسباب أمنية...إلخ.

هذه الإجراءات المتلاحقة كان لها أثرها السلبى الذى أدى إلى تسميم الوسط الجامعى، بحيث ما عادت الجامعات مكترثة بالتعليم أو البحث العلمى أو ممارسة حرية الرأى التى تصقل الشباب قبل تخرجهم. فلم ينكسر الطالب فحسب، ولكن الأستاذ أيضا أصابه الانكسار والهوان. وكانت النتيجة اننا صرنا بإزاء مؤسسات جامعية جرى تفريغها من مضمونها ورسالتها، بعدما أصبح الشعار المرفوع فيها هو «لاصوت يعلو فوق صوت الأمن».

المقلق فى الأمر ان هذا الذى يحدث فى الجامعات لايؤدى إلى النيل من مكانتها وتدهور أوضاعها فحسب، ولكن لأن آثاره على المستقبل بالغة الخطورة. ببساطة لأن ذلك الذى يزرع اليوم فى محيط الجامعة التى كانت منارة يوما ما، سنجنى ثماره المرّة فى المستقبل وسيكون الوطن هو الخاسر الأكبر فيه.

أدرى أن الصورة مقلقة لعدد غير قليل من الأساتذة الجامعيين، خصوصا أولئك الذين ناضلوا طويلا دفاعا عن كرامة الجامعة واستقلالها. وفى حدود علمى فإن هؤلاء يستعدون الان لإحياء الذكرى السنوية لتأسيس حركة 9 مارس التى كانت تعبيرا عن طموح واعتذاذ أساتذة الجامعة بدورهم الرسالى. وقد فهمت ان موضوع الحرية الاكاديمية والحريات العامة يتصدر جدول أعمال المؤتمر، إلا أننى أشفق على أولئك النشطاء من جسامة المهمة التى يتصدون لها، لأننى أزعم بأن الجهد المطلوب يتجاوز بكثير قدرتهم على الحركة والتأثير، باعتبار أن المشكلة جاءت من خارج الجامعة ولم تنبع من داخلها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خوف على الجامعة خوف على الجامعة



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib