فهمي هويدي
البيان الرسمى ذكر أن وزير الدفاع المصرى توجه إلى باكستان على رأس وفد عسكرى رفيع فى زيارة مهمة تستغرق عدة أيام، لتدعيم أوجه التعاون وتعزيز العلاقات العسكرية بين القوات المسلحة فى البلدين. هكذا نشر مضمونه فى صحيفتى «الأهرام» و«الشروق» أمس (7/4). صحيفة «المصرى اليوم» نشرت الخبر كما هو، لكنها تعاملته بطريقة مختلفة لا تخلو من دلالة. ذلك أن العنوان الرئيسى للصفحة الأولى كان كالتالى: صبحى فى إسلام أباد والبرلمان الباكستانى يبحث التدخل فى اليمن. أى إنها وضعت الخبر فى سياقه بطريقة ذكية مهنيا. فلم تقل إنه ذاهب لبحث الموضوع، ولكنها ربطت فى العنوان بين زيارته وبين مناقشته فى البرلمان الباكستانى، وتركت القارئ يفهم الرسالة. أما جريدة «التحرير» فقد ذهبت إلى أبعد وكانت أكثر صراحة، إذ رجحت الاعتبارات المهنية على الحسابات السياسية، فظهر الخبر على الصفحة الأولى تحت العنوان التالى: مصر وباكستان تستعدان للحرب البرية فى اليمن. ورغم ان الصحيفة نشرت البيان الذى صدر عن القوات المسلحة المصرية الذى لم يشر إلى الهدف الحقيقى من الزيارة كما هو، إلا أنها أضافت أنه ليس هناك «أدنى شك أنها ذات صلة وثيقة بمشاركة جيشى البلدين فى التدخل البرى المتوقع فى اليمن».
ونبهت إلى أن زيارة وزير الدفاع المصرى لباكستان تمت بعد ساعات من وصول رئيس الأركان الجيبوتى إلى القاهرة الذى جاء للتباحث حول الموضوع. علما بأن جيبوتى (التى هى عضو فى الجامعة العربية) تقع على الشاطئ الغربى لمضيق باب المندب، وهى مركز لمختلف القوات الدولية التى تحرس المضيق. ذكرت صحيفة التحرير أيضا أن وزير الدفاع الباكستانى خواجة آصف افتتح مناقشة برلمان بلاده للموضوع بكلمة قال فيها إن السعودية طلبت من باكستان طائرات وسفنا حربية وجنودا. كما أشارت إلى أن القوات الباكستانية البرية نفذت مناورات عسكرية شاملة مع القوات البرية السعودية (حملت اسم الصمصام 5) فى ميدان متخصص بالقتال الجبلى.
إذا وضعنا المعلومات السابقة جنبا إلى جنب فإن ذلك يسمح لنا باستنتاج أن قرارا مصريا اتخذ بالمشاركة فى الحرب الدائرة فى اليمن، وأن السعودية إذا كانت قد توجهت إلى باكستان بطلب المساعدة العسكرية بالطائرات والجنود، فمن الوارد جدا أن تكون قد بعثت بالرسالة ذاتها إلى القاهرة. بالتالى فزيارة وزير الدفاع المصرى إلى باكستان ليس الهدف منها التشاور حول مبدأ المشاركة، لان قرارا من ذلك القبيل لابد أن يكون قد صدر فى القاهرة، ولكن الهدف هو التشاور فى كيفية تنفيذ القرار.
ثمة فرق بين البلدين فى درجة الشفافية وفى دائرة التشاور فى الموضوع. ذلك أن فكرة التدخل طرحت على البرلمان الباكستانى، ووزير الدفاع أعلن أمام أعضائه أن بلاده تلقت طلبا بذلك من السعودية، أما فى مصر فالأمر لايزال غامضا، إذ ليس هناك حديث صريح حول الموضوع، والمرجح أنه بحث فى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى عقد يوم السبت الماضى ٤/٤ واستمر ست ساعات، علما بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى ذكر بعد الاجتماع أنه تم فيه بحث عدد من الملفات الإقليمية، التى منها تعزيز الأمن على الحدود الغربية لمصر وتطورات العمليات العسكرية ومجمل الأوضاع فى اليمن. ثم أشار إلى أن مصر لن تتخلى عن اشقائنا فى الدول العربية، ليس فقط فى الخليج الذى يعد أمنه خطا أحمر وجزءا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، ولكن أيضا فى جميع الدول العربية. وهذه الإشارة الأخيرة تؤيد الترجيح الذى أشرت إليه.
الشاهد أن الرأى العام المصرى لم يبلغ حتى الآن بأن قرارا اتخذ بشأن المشاركة فى الحرب البرية باليمن، وأن الأمر متروك للتكهنات والاستنتاجات التى تنبنى على تجميع القرائن والتخمين الذى يحتمل الصواب والخطأ. وهذا الغموض النسبى الذى يحيط بالموضوع متعمد على الأرجح، وراجع إلى ان ثمة حساسية لدى الرأى العام المصرى إزاء إرسال جنود مصريين لخوض أى معارك خارجية لا علاقة لها بالدفاع عن حدود مصر. خصوصا إذا تعلقت بقضايا شائكة مثار حولها لغط كثير وآفاقها المستقبلية غير معلومة. ناهيك عن ان الذاكرة المصرية مسكونة بتجارب مكلفة سابقة تحذر من خوض مغامرات من ذلك القبيل.
من المفارقات المثيرة للانتباه فى هذا الصدد أنه فى حين آثرت السلطة كتمان الخبر والإشارة إليه بصورة حذرة وغير مباشرة، فان الأحزاب السياسية المصرية مارست الحذر ذاته، ومعلوماتى أن بعضها ناقش موضوع التدخل البرى لكنه لم يعلن رأيا واضحا فيه، مؤيدا أو رافضا. وقد تعددت الاجتهادات فى تفسير ذلك الموقف، وترتب على ذلك أن الساحة تركت للشائعات التى أحدثت بلبلة فى أوساط الرأى العام، إلى جانب أنها حاولت أن تملأ الفجوة التى تزداد اتساعا بمضى الوقت بين السلطة والمجتمع.
أدرى أن الموضوع شائك وحساس، ولا أعرف حدود التكلفة التى يمكن أن تتحملها مصر إذا قبلت بالمشاركة، أو إذا نأت بنفسها عن التورط فيها، ذلك أن اليمن له وضعه الخاص فى الذاكرة الشعبية المصرية، كما أن السلطة المصرية لها حساباتها الخاصة فى علاقتها بالمملكة السعودية. واعتقد أن الشفافية إذا توفرت فانها يمكن أن توفر غطاء مناسبا للموقف المصرى، لان صوت المجتمع إذا سُمع فقد يساعد على استيعاب الموقف وتفهم حدوده ودواعيه. وأرجو ألا يكون ذلك متأخرا كثيرا.