فهمي هويدي
إذا صح ما يقال عن سجن العقرب فينبغى أن يشعر المصريين جميعا بالخزى والعار. بعض هذا الذى يقال علت نبرته هذا الأسبوع، بعد وفاة قيادى الجماعة الإسلامية عصام دربالة الذى كان أحد نزلائه (سبقه اثنان آخران من القادة كانا فى السجن ذاته هما مرجان سالم وعزت السلامونى). كان ما جرى لدربالة صادما لكل القريبين من الساحة الإسلامية، ليس فقط بسبب رحيله المفاجئ الذى أثار عاصفة من التعليقات والتكهنات حيث تحدث البعض عن الاهمال الطبى وذهب آخرون إلى اعتباره قتلا، ولكن أيضا لأن الرجل أصبح أبرز دعاة رفض العنف المدافعين عن السلوك السياسى الرشيد. ورغم انتمائه تاريخيا إلى جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية إلا أنه تبنى منذ الثمانينيات فكرة «المراجعات» الشهيرة وكان أهم منظر لها، ورأس بعد ثورة يناير ٢٠١١ مجلس شورى الجماعة التى أسست حزب البناء والتنمية، وقدمت إسهامات ايجابية عبرت عن درجة عالية من الوعى والرشد السياسى شهد بها الجميع. كان اعتقال عصام دربالة والزج به فى قضية لا علاقة له بها مفاجأة بحد ذاتها. أما وفاته فقد كانت صدمة أعادت فتح ملف سجن العقرب. صحيح ان الموت حق على الجميع، إلا أن الظروف التى وضع فيها وانتهت بهذه الصورة الفاجعة وسيل التعليقات والتفسيرات التى سلَّطت الأضواء على ذلك السجن سيئ السمعة. إذ وصفته مواقع التواصل الاجتماعى بأنه جوانتانامو مصر تارة وأبوغريب الجديد تارة أخرى وجحيمستان تارة ثالثة وجهنم ما بعد الثورة فى قول رابع. ووصفت غرفه بأنها زنازين الموت. وقرأت عن كيان باسم «رابطة أسر سجن العقرب» وإذا كان واضحا ان أصحاب تلك التعليقات هم من أهالى الضحايا أو المتعاطفين معهم، إلا أن ما نشرته جريدة «التحرير» فى هذا الصدد كان مثيرا للانتباه. ذلك انها خصصت يوم ١٠ أغسطس صفحة كاملة لتغطية الحدث تحت عنوان رئيسى هو: حقوق الإنسان داخل السجون فى خطر ــ وتحته عنوان آخر هو: حقوقيون: يجب تشكيل لجنة قضائية مستقلة للتحقيق فى حالات الوفاة. فى التقرير المنشور وردت المعلومات التالية:
• نقل عن السيد جورج إسحاق عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان قوله بحث الأسبوع الماضى الشكاوى الواردة من سجن العقرب، وتقدم بطلب لزيارة السجن للتعرف على أحوال المسجونين هناك، لكنه لم يتلق ردا من وزارة الداخلية. وهو المعنى الذى كررته الأستاذة راجية عمران عضو المجلس التى ذكرت أن وزارة الداخلية منعت زيارة وفد المجلس لزيارة سجن العقرب. ورغم ان أكثر من رسالة وجهت إلى الوزارة بهذا المعنى إلا أنها قوبلت بالرفض.
• السيد عبدالغفار شكر نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان قال إن السجون المصرية تعانى من التكدس الشديد مما يصيب المسجونين بأمراض كثيرة. ثم ان الرعاية الصحية داخل السجون سيئة جدا، خصوصا سجن العقرب.. ووفاة الكثيرين داخل ذلك السجن نتجت عن ذلك.
• المحامى الحقوقى نجاد البرعى طالب بتشكيل لجنة قضائية مستقلة ومحايدة تضم عناصر من نقابة الأطباء والمجلس القومى لحقوق الإنسان للتحقيق فى حالات الوفاة التى تحدث داخل السجون (٤٣ سجنا)، لا سيما ان هناك شكاوى من سوء الطعام والرعاية الصحية. ولأن السجون مسئولية الحكومة فإن وفاة أى مسجون تفرض عليها أن تقدم أسبابا مقنعة لذلك. مما قاله أيضا أن شكاوى عدة قدمت إلى وزارة الداخلية والنيابة العامة بشأن الإهمال الطبى ولم تتم الاستجابة لها، وشدد فى هذا الصدد على أهمية فتح السجون للمنظمات المحلية والدولية لمراقبة أوضاع المسجونين.
أغلب التعليقات والشهادات المنشورة فى الصحف ركزت على الإهمال فى السجون إلا أن جانبا آخر من المشهد لم تذكره الصحف وسلطت عليه الأضواء وسائل التواصل الاجتماعى وهى التى حفلت بالشهادات التى تحدثت عن عمليات التعذيب الممنهج الذى يمارس داخل السجون وفى المقدمة منها سجن العقرب الذى بنى عام ١٩٩٣ (فى عهد مبارك والوزير حبيب العادلى). ولا أخفى أننى أتلقى نصيبا وافرا من تلك الشكاوى الأخيرة التى حفل بمعلومات مروعة عن أساليب التنكيل التى تستخدم مع المعتقلين الذين يحولون إلى ذلك السجن لإذلالهم وتدميرهم جسديا ومعنويا.
بعض الرسائل التى تلقيتها تضمنت معلومات يشيب لها شعر الرأس ولا تكاد تصدق. ومنها ما يذكرنا بالأساليب البشعة التى اتبعتها محاكم التفتيش الإسبانية فى القرن الخامس عشر. وقد سببت لى تلك الرسائل أزمة شخصية حيث لم يكن باستطاعتى نشر الأهوال التى تحدثت عنها، كما لم يكن باستطاعتى ان أنسى المعلومات التى تضمنتها. ومن ثم فإنها تحولت إلى كوابيس مفزعة تلاحقنى ليل نهار.
أشك كثيرا فى ان الرئىس على علم بما يجرى فى السجون وفى مقدمتها سجن العقرب. وليست لدى ثقة فى حملات التجميل وتبييض الوجوه التى تنظمها أجهزة الداخلية، التى تحاول اقناعنا بأن المسجونين السياسيين يعيشون فى «فنادق» يحسدون عليها. ولدى شك فى أسباب رفض الداخلية زيارة ممثلى مجلس حقوق الإنسان الحكومى لسجن العقرب والالتقاء بمن فيه. ولا أجد حلا للإشكال سوى الأخذ باقتراح تشكيل وفد حقوقى مستقل لتقصى حقائق ما وراء أسوار ذلك العالم الرهيب. وما لم يحدث ذلك فإننا جميعا سنكون شركاء فى الجريمة والإثم وسنصبح بين متسترين على ما يجرى أو قابلين باستمراره. حيث لن يلحق العار بالفاعلين والراعين والمحرضين وحدهم. إن شئت فقل إنها لن تكون جريمة نظام فحسب ولكنها تصبح جريمة مجتمع أيضا.