ثورتان بين جد وهزل

ثورتان بين جد وهزل

المغرب اليوم -

ثورتان بين جد وهزل

فهمي هويدي

ما إن هدأ الحديث عن ثورة السيسى على نظامه، حتى انفتحت أبواب الجدل حول دعوة السيسى إلى الثورة الدينية. والأولى أطلق شرارتها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى حواره التليفزيونى الأخير، وهو يتحدث عن رؤيته لمصر من خلال خبرة العام المنقضى وآمال العام الجديد. أما الثانية فقد ألقى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى حين كان يتحدث إلى علماء الأزهر فى مناسبة ذكرى المولد النبوى.

إلا أن الأولى قصد بها الأستاذ هيكل ان يوجه رسالة لها خلفياتها التى أشار إلى بعضها فى حديث سابق، حين نبه إلى صراع الأجهزة من حول رئيس الجمهورية. وحين أشار إلى أهمية تعزيز الفريق الرئاسى وإعادة النظر فيه. أما الثانية فقد كانت عبارة ارتجلها الرئيس السيسى، وخرج بها على نص الكلمة التى أعدت له فى المناسبة. وهو ما لاحظناه أثناء إلقائه لخطبته.

وفى حين أثارت دعوة الأستاذ هيكل لغطا وطنينا تابعنا بعض أصدائه فى وسائل الإعلام المختلفة وسمعنا عن تفاوت أصدائه فى دوائر السلطة. وفيما تابعناه وسمعناه فإن الحذر كان واضحا والاستياء من جانب أصحاب المصالح كان أكثر وضوحا. كما اننا لمسنا جهدا بذل لتحرير كلمة «النظام» أريد به تخفيف أثر الدعوة التى أطلقت واستبعاد مظنة استهدافها خرائط السلطة القائمة بما قد يؤدى إلى إدخال أى تعديل على أركانها ومكوناتها.

فى هذا الصدد فإننا قرأنا تحليلات عدة بعضها عمد إلى الدفاع عن استمرار الهياكل القائمة، كى يبقى كل شىء على ما هو عليه. أما البعض الآخر فقد أغرقنا فى تحليل الفرق بين النظام كأفراد وكيانات وبين «المنظومة» التى تقوم على الأفكار والرؤية. وأفهمنا أولئك المحللون بأن المقصود بدعوة الأستاذ هيكل هو المنظومة بمعنى الرؤية وليس النظام بشخوصه ومؤسساته.

الشاهد ان ذلك الحوار على أهميته لم يستمر طويلا، نظرا لحساسية الفكرة وصلتها الوثيقة بأوضاع مراكز القوى فى السلطة. من ثم فقد تم اختصار حلقاته وطى صفحته. وفى النهاية وجدنا ان الأمر لم يؤخذ على محمل الجد، حتى لم يعد للدعوة ذكر الآن.

الأمر اختلف مع فكرة الثورة الدينية التى ارتجلها الرئيس السيسى أثناء خطابه. ذلك أنه ما ان اطلقها حتى هرول الجميع لتفعيلها والاحتفاء بها، وتحويلها إلى شعار ومنعطف مهم فى مسيرة الأزهر وتاريخ الفكر الدينى.

بكلام آخر فإنه حين تعلق الأمر بالحوار الجاد فى السياسة فإن الكلام كان حذرا ومبتورا وتم اختصاره وتجاوزه بسرعة. أما حين تعلق بالدين، ولو على سبيل المصادفة، فقد أخذ الجميع راحتهم فيه حتى تطوع كل صاحب رأى فى الإسهام بدلوه لتحقيق الثورة المنشودة. ولم يقف الأمر عند حدود تقليب صفحات الماضى واستحضار تاريخ الثورات الدينية فى العالم، لكننا فى «الزفة» طالعنا خلاصة للكتاب ترجم حديثا ألفه باحث إيرانى مقيم فى فرنسا اسمه داريوش شايجان كان سؤال الغلاف الذى تخيره عنوانا هو «ما هى الثورة الدينية»، وانطلق فيه من إعلام إفلاس الفكر الدينى الإسلامى وفشله فى التفاعل مع العصر.

الأزهر من ناحيته سارع إلى الاستجابة لدعوة السيسى، فتحدث وكيله الشيخ عباس شومان عن توجهات أصدرها الإمام الأكبر أحمد الطيب، لوضع خطط عاجلة لتنفيذ ما طلبه الرئيس. خصوصا فى مجال إصلاح مناهج التعليم الدينى وتطوير الخطاب الدينى، مضيفا أنه تم تشكيل لجان برئاسته لاستكمال عناصر تصحيح الخطاب الدينى «بما يقوى روح الانتماء للوطن، ويعكس صورة مشرفة للإسلام فى العالم الخارجى».

بنفس السرعة أعلنت دار الإفتاء عن تبنيها لدعوة الرئيس، فذكرت أنها وضعت خطة مكثفة لنشر «الثقافة الافتائية الصحيحة» والتوسع فى أول مرصد «فتاوى التكفير» ومقولاته لمواجهة الأفكار المتطرفة، ذلك إلى جانب الإعداد لإطلاق أول قناة على اليوتيوب للدفاع عن سماحة الإسلام واعتداله، وإلى جانب مشروعها لإعداد دورات تدريبية للمبعوثين لإعدادهم للمهمة التى يقومون بها فى بلدانهم، فإن دار الإفتاء ستبدأ خدمة جديدة بتدشين دار الإفتاء المتنقلة التى ستجوب محافظات مصر لإرشاد المسلمين والرد على استفساراتهم المتعلقة بأمورهم الدينية.

لم يتخلف وزير الأوقاف عن الركب، ذلك انه ما ان اطلق الرئيس دعوته حتى عقد الوزير اجتماعا عاجلا مع مساعديه لوضع الخطط اللازمة للنهوض بمسئوليات الثورة المنشودة، على أن تقوم المساجد بدورها فى هذا الصدد، سواء من خلال إعداد دورات تثقيفية للأئمة أو توجيه الخطباء لإيصال الرسالة إلى جماهير المصلين خصوصا فى أيام الجمع.

لم أتحدث عن الإسهامات التى أغرقت أعمدة الصحف وأفاضت فى الهاتف لدعوة الرئيس وتقديم المقترحات لإنجاحها. وهو السباق الذى تصور كثيرون ان المشاركة فيه باتت فرض عين على كل صاحب قلم. فضلا عن ان الصحف لم يكن بمقدورها ان توقف تدفق الكتابة فيه، لأن أحدا لم يكن يجرؤ لإيقاف سبل المحتفين بكلام الرئيس وثورته الجديدة.

الخلاصة التى يخرج بها المرء من المقارنة بين الدعوتين أن أبواب التهليل والتهريج وحدها مفتوحة على مصارعها. أما الكلام الجاد فى الإصلاح فأوانه لم يحن بعد، لا فى شئون الدنيا ولا فى شئون الدين. وهو ما ينبهنا إلى حاجتنا الملحة لمناخ ديمقراطى حقيقى يتيح لنا أن نتحمل بشجاعة مسئولية ذلك الكلام الجاد فى الأمرين معا. وما لم نستطع توفير ذلك المناخ قبل أى شىء آخر فلا أمل فى إصلاح الدنيا أو الدين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورتان بين جد وهزل ثورتان بين جد وهزل



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib