فهمي هويدي
فى رأى الدوائر البحثية الإسرائيلية أن ثمة تعاونا كبيرا بين المخابرات الأمريكية والحوثيين الذين تمثلهم جماعة أنصار الله، وان واشنطن كانت على علم مسبق بنواياهم فى إطار متابعتها الدقيقة لما يجرى فى اليمن. ذلك أن أكثر ما يهم واشنطن فى التفاعل الحاصل هناك هو هزيمة تنظيم القاعدة المتمركز فى جنوبه، باعتبار أنه يشكل تهديدا مستمرا للمصالح الأمريكية. هذا الرأى تبناه «مركز يورشليم لدراسة المجتمع المدنى» الذى يديره يورى جولد كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامن نتنياهو. وفى تقدير موقف صدر عن المركز (فى ٢٧ مارس) ان التحرك العربى المستقل ضد الحوثيين فى قمة شرم الشيخ تم بعدما تعددت القرائن الدالة على أن ثمة تغييرا فى تحالفات الولايات المتحدة، حين بدا واضحا انها اتجهت إلى توثيق التعاون مع إيران واتباعهما والتعويل عليهم فى حماية المصالح الأمريكية.
هذه الخلاصة أوردها الباحث الفلسطينى الدكتور صالح النعامى، المقيم بالأرض المحتلة والمختص بالشأن الإسرائيلى، فى تقرير تلقيته منه، استعرض فيه التقييم الإسرائيلى لعاصفة الحزم. وفى عرضه لتقدير الموقف الذى صدر عن مركز «يورشليم» أشار إلى المتابعة الإسرائيلية للتعاون بين الأمريكيين والإيرانيين فى العراق، وإلى التقارب بين الطرفين فى الملف السورى، الذى عبر عنه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى حين عبر عن الحاجة لإعادة النظر فى العلاقة مع نظام الرئيس السورى بشار الأسد.
رون بن يشاى معلق الشئون العسكرية فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشر مقالة يوم ٢٧/٣ أيدت ما ذهب إليه مركز يروشليم، إذ ذهب إلى أن ما قيل عن تنسيق أمريكى سعودى فى فى الحرب الدائرة لم يتحقق إلا استجابة لإصرار السعودية وتصميمها على التدخل العسكرى فى اليمن. وقد حدث ذلك فى حين أن المخابرات الأمريكية كانت على دراية بمخططات الحوثيين، وكانت واشنطن على وعى بالمغزى الاستراتيجى لوصول الحوثيين إلى مضيق باب المندب، وقد تركوهم ينفذون خطتهم، لأن أكثر ما يهمهم هو شن الحرب على تنظيم القاعدة. وهو ما جعل الرئيس الأمريكى أوباما ومجلس الأمن القومى الأمريكى يتجاهلون تماما المعضلة الكبرى الناجمة عن تمدد الحوثيين فى أنحاء اليمن، وقد وصف بن يشاى ذلك الموقف الأمريكى بأنه من قبيل «العمى الاستراتيجى». ذلك انهم لم يتحركوا لمواجهة الحوثيين، لأن البيت الأبيض كان أكثر حرصا على عدم استفزاز الإيرانيين حتى لا يؤثر ذلك سلبا على مسار التفاوض حول البرنامج النووى الإيرانى.
بسبب من ذلك، أضاف بن يشاى. فإن الدور الأمريكى فى الحملة العسكرية الراهنة التى يقودها السعوديون ظل محدودا جدا، ويقتصر على الجانب الاستخبارى، فى حين أنه كان بوسع الولايات المتحدة ان تلعب دورا أكثر قوة وأشد تأثيرا فى مساعدة التحالف العربى على حسم المواجهة.
المعلق الاستراتيجى يوسى ميلمان كتب فى صحيفة معاريف (٢٧/٣)، مشيرا إلى أن التمدد الإيرانى فى اليمن يمثل صورة مصغرة لما يمكن ان تسفر عنه الأوضاع بعد التوقيع على الاتفاق النهائى بشأن البرنامج النووى، وذكر أن طهران سوف توظف أى اتفاق مع الغرب لصالح توسيع نفوذها فى العالم العربى بعدما اخترق ذلك النفوذ إلى أربع دول عربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن). وانتقد الأمريكيين والأوروبيين فى أنهم قبلوا بالدور الإقليمى لإيران، معتبرا أن اتفاقهم مع طهران يضفى شرعية على ذلك الدور.
فى السياق ذاته عبرت محافل فى ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلى عن أملها فى أن تسهم التطورات الجديدة فى زيادة الضغوط دخل الولايات المتحدة على الرئيس أوباما لإثنائه عن التوصل إلى «اتفاق سيئ» مع إيران، وهو ما نقلته قناة التليفزيون الإسرائيلى الثانية يوم ٢٨/٣ منسوبا إلى تلك المحافل.
على صعيد آخر، حذر أهم مركز أبحاث صهيونى من «التداعيات الكارثية» لأى تقارب بين السعودية وتركيا، على خلفية مصالح البلدين فى الوقوف ضد التمدد الإيرانى فى المنطقة، واعتبر «مركز أبحاث الأمن القومى» الإسرائيلى فى تقدير موقف نشره فى عدد ٦٧٩ من مجلة «مباط عال» التى يصدرها ان التقارب التركى السعودى «لا يبشر إسرائيل بخير» لأنه يؤثر سلبا على البيئة الإقليمية لإسرائيل، من حيث أنه يعنى زيادة احتمالات احتكاك ذلك المحور بالدولة العبرية. وشدد الباحثان اللذان أعدا التقرير يونيل جوزينسكى وجليا ليند شتراوس على ان انضمام تركيا للمحور السنى سيهدد العلاقات التى تمكنت إسرائيل من بنائها مع بعض الدول السنية فى الفترة الماضية، كما أنهما عبرا عن عدم ارتياحهما إزاء تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الرياض وأنقرة وهو ما لاحت نذره فى تنامى معدلات التبادل التجارى بين البلدين، وزيادة أعداد السعوديين الذين يزورون تركيا للسياحة، كما عبرا عن قلقهما إزاء الإشارات الدالة على اتجاه الملك سلمان إلى إعادة النظر فى علاقات بلاده مع حركة حماس، ضمن مساعيه لتعزيز المحور السنى فى مواجهة إيران.
راهن تقدير الموقف الذى نشره مركز أبحاث الأمن القومى على احتمالات فشل التوجه السعودى فى إقامة المحور السنى، معتبرا أن استمرار العلاقات المتوترة بين أنقرة والقاهرة سيحول دون إدماج الأتراك فى ذلك المحور. وفى رأيهم أنه سيكون من الصعب جدا على السعودية ان تحسن العلاقات مع تركيا دون المساس بنظام الرئيس السيسى. وستظل هذه هى العقدة التى تهدد المسعى السعودى بالفشل.
هذه رؤية إسرائيلية لا أشك فى أنها خالية من حسن النية، لكن السؤال هو: إلى أى مدى تعبر عن الحقيقة؟