فهمي هويدي
حين أبرزت صحف الخميس الماضى (14 / 5) خبر إعدام وزير الدفاع فى كوريا الشمالية بمدفع مضاد للطائرات، قلت هل يمكن أن يمر الأمر ويصبح أكثر قبولا لو أنه قتل برصاصة عادية؟ ما دفعنى إلى طرح السؤال أننى لاحظت أن وسائل الإعلام أصبحت تستفظع الوسيلة التى استخدمت فى القتل. بأكثر مما تستنكر القتل ذاته.
أغلب الظن أن ذلك إدراك تشكل بعدما أصبح القتل خبرا يوميا فى أقطار عدة، بحيث فقد رنينه ولم يعد باعثا على الصدمة أو الفجيعة بمضى الوقت، وإنما أصبح الجديد يتمثل فى التفنن فيه. والأمر ذهب إلى أبعد من ذلك فى العراق، حيث صار قتل الأفراد خبرا عاديا ومألوفا لا يحدث أثره خارج المحيط الضيق للضحية. ذلك أن القتلى صاروا بالعشرات فى العديد من المناسبات.
أدرى أن قصة قتل وزير الدفاع الكورى كما نقلتها وكالات الأنباء حافلة بالملابسات المثيرة، التى تتنافس فيها وسيلة القتل مع أسبابه. ذلك أن استخدام مدفع مضاد للطائرات فى الخلاص من الرجل تنم عن درجة عالية من الوحشية والرغبة فى الفتك والانتقام. كما أن قتله لأنه غفا وغلبه النوم أثناء حديث لزعيم البلاد، ولأنه تجرأ ورد عليه فى إحدى المناسبات ولأن الزعيم شك فى ولائه رغم أنه كان من المقربين إليه، هذا كله دال على دموية الزعيم واستهتاره المفرط. ورغم أن تلك الخلفيات تعد جرائم بشعة لا يستهان بها، إلا أن ذلك لا يقلل من فداحة الجريمة الأكبر التى تمثلت فى قتل إنسان برىء.
لقد استهول الجميع ما أقدمت عليه «داعش» حين قطعت رءوس عدد من العمال المصريين، كما ذبحت آخرين من الأجانب الذين وقعوا فى أيديها. كما استفظع الجميع عملية إحراق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة بعد وضعه حيا فى قفص حديدى.
وأشاع ذلك السلوك البربرى الذى لم يعرفه عالم الحيوان حالة من الذهول والصدمة. وكان الجميع محقين فى ذلك لا ريب. إلا أن المشهد لم يخل من مفارقة. حيث لم تقابل جرائم النظام السورى التى لم تتوقف طول السنوات الأربع الماضية بنفس درجة الاستهجان والإدانة. ذلك أن النظام ظل خلال تلك الفترة يتفنن فى قمع وسحق معارضيه مستخدما التجويع والتعذيب والغاز السام وصولا إلى البراميل المتفجرة. وهو ما أعطى انطباعا بأن الرئيس بشار الأسد قرر أن يتمسك بمنصبه حتى يجهز على آخر سورى فى البلاد. ولم يكن هناك من تفسير لاختلاف التعاطى مع جرائم داعش عنه فى الحالة السورية سوى أنه ناشىءعن التباين فى إخراج عملية القتل. فعناصر جماعة داعش حرصت على أن تمارس القتل فى العلن لحسابات معينة قدرتها، فى حين أن النظام السورى آثر أن يلقى براميل المتفجرات ويقتل من يعترض طريقه دون أن يعلن عن ذلك. بل ولا يتردد فى أن ينفى إقدامه على شىء مما يحدث.
لست فى وارد المقارنة بين أصداء القتل فى هذا البلد أو ذاك. وأزعم أننا يجب ألا نغير مواقفنا تبعا لتغير درجة الوحشية والبشاعة التى تمارس فى جريمة القتل. لأن أكثر ما يهمنى هو التشديد على استهجان عملية القتل ذاتها، بغض النظر عن الأسلوب الذى اتبع فيها أو الإخراج الذى قدمت به، لأنها تمثل عدوانا على حق الإنسان فى الحياة مرفوض إنسانيا وأخلاقيا وحضاريا. وإلى جانب ذلك فإنه من وجهة النظر الشرعية والأصولية فالقتل يعد افتئاتا على حق من حقوق الله. ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه، واستخلفه فى الأرض لكى يتولى إعمارها وإشاعة الخير والنماء فيها.
والقتل بغير حق يهدر ذلك كله. لذلك استبشعه الخطاب القرآنى واعتبر «....أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» (الآية ٣٢ من سورة المائدة). وقد سبق أن استخدمت القياس فى هذه الحالة وزعمت أن التعذيب جريمة ينطبق عليها نفس التكييف، ليس فقط لأنه يفضى إلى القتل فى بعض الأحيان ـ وللخبرة المصرية باعها الذى لا ينكر فى هذا المجال للأسف ـ ولكن أيضا لأنه يمثل إهدارا لكرامة الإنسان يمارسه أهل الجبروت والسلطان. لذلك قلت إن تعذيب أى مواطن بمثابة إهانة وازدراء بالمجتمع بأسره، والعار فيه لا يصيب الذين يمارسونه فحسب، ولكنه يلاحق القابلين به والساكتين عليه فى الدنيا والآخرة.
فى اليوم الذى تناقلت فيه وكالات الأنباء خبر إعدام وزير الدفاع فى كوريا الشمالية بمدفع مضاد للطائرات (الأربعاء ١٣ مايو) تناقل النشطاء فى مصر خبر وفاة الدكتور فريد إسماعيل الذى اعتقل فى عام ٢٠١٣ وأودع سجن «العقرب» سيئ السمعة. وهناك منع عنه الدواء رغم إصابته بالفشل الكبدى، الأمر الذى أدى إلى تدهور حالته وإصابته بجلطة فى المخ أدخلته فى غيبوبة ولم تنجح محاولات إنقاذه التى بذلت بعد فوات الأوان، مما أدى إلى وفاته.
لم أجد فرقا يذكر فى المآلات. بين قتل شخص بمدفع أو قتل آخرين من خلال التعذيب أو بمنع الدواء عن المرضى. إذ النتيجة واحدة فى الحالتين. مع ذلك وجدت أن الحالة الأخيرة أسوأ، لأن القتل فى الحالة الأولى تم بصورة مباشرة ولم يستغرق سوى دقائق معدودة. أما فى الحالة الثانية فالقتل سبقته عذابات المعاناة من المرض مع ما يستصحبها من مهانة وانكسار. ولم يخل الأمر من تشابه فى الحالتين، ذلك أن الانتقام والتنكيل يمثل قاسما مشتركا بينهما. ولئن قيل ذلك صراحة فى حالة وزير الدفاع الكورى، فإنه يظل التفسير الوحيد لمنع الأدوية عن المرضى المحتجزين فى سجن العقرب أو فى غيره من السجون بغض النظر عن التهم الموجهة إليهم ــ لذا لزم التنويه والتنبيه.