السياسة سر حربى

السياسة سر حربى

المغرب اليوم -

السياسة سر حربى

فهمي هويدي

حين سئلت عن رأيى فى تغيير رئيس الحكومة فى مصر، لم أجد ما أقوله سوى أن الأداء السياسى كله محفوف بالأسرار، ويعتمد على عنصر المفاجأة.. وحين يتاح لنا أن نعرف فليس مطلوبا ان نفهم. دللت على ذلك بأن رئيس الحكومة ذاته ــ المهندس إبراهيم محلب ــ لم يكن يعلم أن وزير الزراعة فى حكومته متورط فى قضية فساد منذ عدة أسابيع، كما أنه لم يكن يعلم حين طلب منه إقالته بناء على تعليمات للرئيس ان الرجل سيلقى القبض عليه بعد دقائق من مغادرته مبنى مجلس الوزراء. إزاء ذلك فإن جهل أمثالنا بما يدور وراء الكواليس لا يبدو أمرا مستغربا. ولم يكن ذلك أغرب ما فى الأمر، لأن ما لا يقل غرابة أن يعد ايقاف سيارة وزير الزراعة فى ميدان التحرير واعتقاله أمام الملأ من قبيل الحزم والحكمة، حتى إن رئيس تحرير إحدى الصحف القومية وصف الذين انتقدوا الأسلوب الذى اتبع فى إهانة الوزير وإذلاله ــ وقد كنت أحدهم ــ بأنهم «من الفاشلين والمغرضين»!

الشائع أن المهندس إبراهيم محلب ذهب بحسن نية ليعرض التعديل الوزارى على الرئيس لكنه فوجئ بأن «التعديل» يشمله شخصيا. ومع ذلك فإن السؤال ظل يدور حول ما إذا كان الرجل قد أقيل أم استقال ومن يقرأ الصحف الصادرة أمس (الأحد ١٣/٩) سيزداد حيرة، لأنه لن يعرف لماذا خرج أو أخرج الرجل الذى وصف بأنه «بلدوزر» وظل كالنحلة يدور طوال الوقت، ناهيك عن أن أحدا لم يعرف لماذا وكيف وقع الاختيار على رئيس جديد للحكومة لم يسمع به أحد فى غير مجال اختصاصه فى صناعة البترول. وكل ما عرفناه لاحقا فى سجله المنشور تكنوقراط لا علاقة له بالسياسة.

فى التقارير والتحليلات التى نشرت أمس لم يختلف أحد على احترام وتقدير شخص المهندس محلب، لكن أغرب ما قيل فى حقه أنه كان رجلا بلا رؤية. ولم أفهم كيف نأتى برجل تكنوقراط من خارج السياسة، ثم نطالبه بأن يقدم للمجتمع رؤية. كما اننى أزعم أن غياب الرؤية يشكل سمة عامة لمجمل الأداء السياسى فى المرحلة الراهنة، لذلك فإن ما وجه إلى الرجل لا ينبغى أن يعد تهمة، ليس فقط لأن أزمة الرؤية تشمل جميع اللاعبين على المسرح القادمين من خارج السياسة. ولكن أيضا لأن الرؤية لم تكن مطلوبة فيه من البداية. حيث يفترض أنها موجودة ومتوفرة على المستوى الأعلى، وان المطلوب من رئىس الحكومة أن ينفذ التوجيهات التى تعبر عن رؤية المراجع العليا.

فى هذا الصدد تبرز ملاحظات فى مقدمتها ما يلى:
< إن إحاطة القرار بسرية كاملة، فى حالة خروج رئيس الحكومة أو أى وزير من منصبيهما فضلا عن تعيينهما، ليس مقصورا على الحالة الراهنة فى مصر، ولكنه صار تقليدا متبعا فى علاقة السلطة بالمجتمع. على الأقل فخلال نصف القرن الأخير لم يحاول رأس السلطة يوما ما ان يشرح لنا الأسباب التى دعته إلى إصدار قرارات من ذلك القبيل. وأعرف وزراء أقصوا من مناصبهم منذ عشرين أو ثلاثين عاما ولايزالون حتى الآن يتساءلون عن الأسباب الكامنة وراء ذلك!

< إن تغييب حق المجتمع فى المعرفة استصحب تلقائيا إسقاط حقه فى المساءلة، بالتالى فإن إدارة البلد من زاوية التعيين والإقصاء والمحاسبة أصبحت محصورة فى دائرة ضيقة للغاية. تتحكم فيها الأجهزة الأمنية والرقابية، الأمر الذى يضعنا أمام مفارقة لا تخلو من سخرية. ذلك أن المدائح تكال طوال الوقت «للشعب العظيم»، وحين يتعلق الأمر بأى قرار مصيرى فإن الشعب العظيم الذى يعتبره الخطاب السياسى بطلا ينسى، ويتحول إلى كومبارس لا حاجة إليه ولا لزوم له.

< إن الإعلام فى هذه الحالة يؤدى دور المسكن أو المخدر. فهو يصفق للاختيار ولا يتردد فى التصفيق للإقصاء. ومن يتابع قنوات التليفزيون فى الآونة الأخيرة سوف يلاحظ أن بعض مقدمى البرامج الذين تحولوا إلى قادة يوجهون الرأى العام ويمهدون للقرارات السياسية شنوا حملة شعواء على المهندس إبراهيم محلب وبدأوا يروجون لمحاكمته بتهمة الفشل فى مجالات عدة، ومنهم من قال إن الرئيس السيسى يتحرك بسرعة الصاروخ فى حين أن الحكومة لا تجاوز سرعة السلحفاة.

< فى حين أننا نعلم أن رئيس الحكومة ينفذ السياسات العليا، وان المبادرات المهمة تأتى كلها من المراجع الأعلى منه، إلا أن الحساب على النتائج السيئة أو الفشل يكون عادة من حظ الذين ينفذون السياسات وليس الذين يضعونها. وتكون النتيجة ان النجاح يحسب لصالح المراجع العليا أما الفشل فإنه يعلق فى رقاب المراجع الدنيا. وفى كل الأحوال فإن السياسات العليا والمشروعات الكبرى تظل بمنأى عن الحساب والمساءلة.

محق من يقول إن أحد المصادر المهمة للخلل الذى سبق ذكره راجع إلى غياب البرلمان الذى يفترض أن يراقب ويحاسب رموز السلطة التنفيذية. وإذ أرجو أن ينهض بهذه المهمة البرلمان الذى يفترض انتخابه فى مصر قبل نهاية العام. إلا أن التدخلات التى تمارسها الأجهزة الأمنية فى قوائم المرشحين تضعف من تعلقنا بذلك الأمل. ونرجو أن يكون ما يقال فى هذا الصدد مجرد شائعات تكذبها الممارسات العملية. وإنا لمنتظرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة سر حربى السياسة سر حربى



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib