الدرس والرسالة في الجائزة

الدرس والرسالة في الجائزة

المغرب اليوم -

الدرس والرسالة في الجائزة

فهمي هويدي

فوز الاستثناء التونسى بجائزة نوبل جاء إعلانا ضمنيا عن رسوب الآخرين فى مختلف «مواد» الربيع العربى. وفى حدود علمى فإنها المرة الأولى فى تاريخ الجائزة التى تمنح فيها لمجتمع وليس لشخص أو منظمة. ذلك أننى حين رجعت إلى قائمة الفائزين منذ عام ١٩٠١ حتى العام الماضى وجدت هى أن عددهم حوالى ٨٥٠ فائزا منهم ٢٢ منظمة. والأخيرون كلهم فازوا فى مجال السلام، أما الباقون جميعا فقد كان فوزهم فى مجالات العلوم والآداب، والمنظمات تراوحت أنشطتها بين حظر الأسلحة الكيماوية وبنك الفقراء فى بنجلاديش، مرورا بالصليب الأحمر والعفو الدولية وأطباء بلا حدود ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين...إلخ.

صحيح أن الجائزة منحت للرباعية التونسية التى قادت الحوار الوطنى فى تونس. ولكن الرباعية ليست كيانا واحدا، وإنما تشمل أربع جهات تنشط فى مجالات متباينة (الاتحاد التونسى للشغل ــ الاتحاد التونسى للصناعة والتجارة ــ نقابة المحامين ــ الرابطة التونسية لحقوق الإنسان) ــ وإذا كان هؤلاء هم الذين حشدوا وضغطوا وقدموا طلبات محددة لإجراء الحوار، إلا أنه حقق مراده بفضل تجاوب مختلف القوى السياسية وحرصها على إنجاحه. ومن ثم إنجاح التجربة الديمقراطية التى كانت المطلب الأساسى لثورة التونسيين فى عام ٢٠١١. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن الذى نجح هو المجتمع التونسى بمختلف مؤسساته وأطيافه، لذلك استحق الجائزة بجدارة. واستحق أيضا أن نتوجه إليه بالتحية والتهنئة، ليس فقط للانجاز الذى حققوه ولكن أيضا لأن المجتمع التونسى بأدائه أبقى على جذوة أمل الربيع مشتعلة وأفشل محاولات إطفائها التى لم تتوقف طوال السنوات الأربع الماضية.

الذى لا يقل أهمية عما سبق أن المجتمع التونسى لم يقدم للجميع نموذجا مشرفا فى مجمل الأداء السياسى فحسب، ولكنه قدم أيضا تجربة حافلة بالدروس والرسائل، وقد أشارت لجنة الجائزة فى حيثيات قرارها إلى أهمها، حين أبرزت النقاط التالية:

< أن الرباعية قدمت بديلا سياسيا وسلميا لإرساء قواعد التحول الديمقراطى، الأمر الذى مكن تونس من إقامة نظام دستورى كفل الحقوق الأساسية لمختلف قوى المجتمع وأطيافه.
< أن الوفاق الذى تحقق فى تونس جنب البلاد الانزلاق فى مسار العنف الأمر الذى أغلق الأبواب أمام احتمالات الفوضى والحرب الأهلية. من ثم فإن تجربة الرباعية يمكن أن تضم إلى الجهود التى تبذلها المؤتمرات والاجتماعات الساعية لتحقيق السلام فى العالم.
< أثبتت التجربة أن مد جسور الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين يمكن أن يحقق نجاحا يخدم المصالح العليا للمجتمع، الأمر الذى يشكل ضمانة أساسية للاستقرار ودفع عجلة التنمية.
< النموذج الذى قدمته تونس من خلال دور الرباعية أثبت أن المجتمع المدنى الفاعل يستطيع أن يلعب دورا مهما فى إنجاح التحول الديمقراطى.

فى ختام الحيثيات ذكرت اللجنة أن الطريق الذى سلكته تونس يمكنها من التغلب على مختلف التحديات والصعوبات التى تواجهها البلاد على مختلف الأصعدة. وهى تأمل أن تمثل الجائزة (نحو مليار دولار) إسهاما رمزيا فى الجهود التى تبذل لتحقيق الوفاق الذى يمكن تونس من التغلب على تلك التحديات والصعاب. فى الوقت ذاته أعرب بيان اللجنة عن الأمل فى أن تصبح التجربة التونسية فى الحوار والوفاق لانجاح التحول الديمقراطى نموذجا يحتذى من جانب الدول الأخرى فى المناطق المحيطة.

لا نستطيع أن ندافع دائما عن براءة قرارات لجنة نوبل، التى لا تخلو أحيانا من تعبير عن المصالح والأهواء، لكننا لا نجد لمثل تلك الأهواء أثرا أو صدى فى امتداح التجربة التونسية. ذلك أن أحدا لم يعد يختلف على نجاحها فى تحقيق الوفاق الوطنى وتجنيب المسيرة الديمقراطية المخاطر والمنزلقات التى تعرضت لها التجارب الأخرى.

لقد وضعت اللجنة أصابعها على نقاط بالغة الأهمية أسهم توافرها فى نجاح التجربة التونسية، بقدر ما إن غيابها أسهم فى فشل وانتكاس بعض التجارب الأخرى. لذلك يحق لنا أن نحنى رءوسنا لمن نجح، وأن نستنهض همم الراسبين داعين لهم بالتوفيق فى محاولات أخرى قادمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدرس والرسالة في الجائزة الدرس والرسالة في الجائزة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib