الفخ فى التسمية..
هل تعتبر القتل جريمة أم بطولة جهادية ؟
هل تعتبر القاتل مجرما أم بطلا يدافع عن وطنه؟
والمقتول؟
هل تعتبره ضحية عابرة أوصلتها الصدفة إلى مسرح الجريمة؟
هل تنساها وتختصرها فى كونها … موضوع الجريمة؟
والأمر هنا أكثر تعقيدا، حتى إنك ستعجب من وجود معترضين على إعدام محمود رمضان.
لا أقصد هنا الإخوان المسلمين فى محاولتهم تصنيع أيقونة شهيد.. ، وهم الذين اعتبروا محمود رمضان لحظة وقوع الجريمة عنصرا مدسوسا من المخابرات.. .
إرادة تحويل محمود رمضان إلى مناضل سياسى ضد الانقلاب.. .. هى تهافت التهافت… ولعب مبتذل على ضعف الذاكرة.
محمود رمضان هو بطل دراما كاشفة.
1- ظهر فى فيديو مفصل تلقى فيه أطفال من على بناية فى سيدى جابر بالإسكندرية.
2- ظهوره مثير بلحيته السلفية الكثيفة، وعلم تنظيم القاعدة فى الجيب الخلفى.. وفانلة داخلية… محققا لصورة ذهنية تجمع بين البلطجى والمجاهد… السوبرمان السلفى المجنح رغم قصر قامته… وملامحه الغائبة عن الحضور.
3- وحشية الجريمة وصورة محمود رمضان صدمت العقل الساكن أمام رتابة وبلادة التليفزيون… ومن هنا تعددت التفسيرات بين كون محمود رمضان نذير الإرهاب الأسود بعد سقوط الإخوان والمرسى… وبين كونه عميلا مخابراتيا أتقن دوره بإفراط أوصلنا إلى عدم التصديق.
4- أسهم فى ذلك سرعة القبض عليه… وتحوله من أسد جهادى فى مسرح الجريمة إلى فأر مذعور أمام كاميرا المباحث فى أثناء تصوير الاعترافات… ومن فرط خضوعه واستسلامه لم نصدقها.. أيضا.
5- وتأتى ظروف محاكمته لتضيف إثارة جديدة، فالبداية كانت مع قرار تحويله إلى مستشفى أمراض عقلية (وهنا قالت عناصر مفرطة فى إخوانيتها: إنها اللعبة المحبوكة فى حماية عميل أمن دولة باتهامه بالجنون ثم تهريبه.. لتنفذ مهمته بنجاح) وحتى رفض النقض على حكم الإعدام (وهنا هلل فرحا المرعوبون من الإرهاب والمطالبون بالقتل حتى دون محاكمة).
وغالبا الإخوان ذهبوا إلى منتهى الابتذال لأنهم يبحثون عن أيقونة … ولأن هناك خوفا من فتح باب تنفيذ حكم الإعدام.
وغالبا أيضا هناك تعاطف ضد الإعدام و ليس مع محمود رمضان من قبيل قطاع واسع يرفض غياب المحاكمات العادلة والانتقام بالأحكام القضائية… هذا الرفض أوصله الوقوع فى فخ الاستقطاب إلى حدود التماهى مع التهتك الإخوانى.
وفى ظل هذا العبث لا يظهر سوى التبرير… منع المحاكمات العادلة حتى عن القتلة يجعلهم ضحايا .. و العنف المقدس ، الذى أخرج محمود رمضان بكل هذه الإكسسوارات يبرر انتهاك حقوقه فى العدالة.
وهنا يبقى الجزء الإيجابى من كل الرثاثة المسيطرة، هو مناقشة عقوبة الإعدام… التى يعتبرها البعض ذروة القصاص، رغم أنها بوابة عنف من وجهة نظر أخرى، فالعدالة تعنى ما هو أكبر من الانتقام…ولهذا أعلنت أكثر من مرة رفضى الإعدام، لأنه عقوبة لا يمكن التراجع عنها حتى لو ثبت عدم صحتها أو عدم دقة حيثيات الحكم.
منذ القرن الثامن عشر والعدالة تتطور.. تتخلى عن أفكارها القديمة فى أن العقاب أو العقوبة انتقام أو شفاء للغليل.. لتصبح العقوبة تأديب وتهذيب وإصلاح ، وهدفها أن لا يتكرر ذلك .
ويمكن قراءة دراسات وأفكار حول تاريخ العقاب فى البشرية وتحليل تكوين المجتمعات… سنكتشف أن العنف فى العقوبة لم يمنع الجريمة/ كما أن نسبة ارتكاب الجرائم كانت أقل كلما كانت العقوبات إنسانية وليس العكس.
الإعدام.. ليس عدلا بقدر ما هو استمرار لطقس الانتقام، الذى كان يجعل السلطة تصدر أحكاما بعقوبة المخالفين لها/ ليسوا بالضرورة ارتكبوا جرائم/ أو كانوا هم المجرمين/ لكن العقوبة كانت حفلة تتم فى ميادين عمومية يشاهد فيها الناس الشاكوش، وهو يدق عظام متهم/ أو المسامير وهى تلمع فى كتف متهم آخر/ أو الدم يسيل بعد نزع أظافر متهم ثالث… وهكذا كانت العين تتعود على العنف والدموية دون أن يتأكد العقل أن هذا الشخص هو من ارتكب الجريمة فعلا أو أن ما فعله جريمة بالأساس.
الإعدام كان يتم على حسب وصف السلطة، التى ترى خصمها خائنا أو الكنيسة التى تعتبر قراءة كتاب جرما يستحق الحرق فى زيت مغلى.
هناك تصور شائع بأن الإعدام عدل/ رغم أنه حينما يقترب منك حبل المشنقة لن يصبح متاحا لك بعدها أن تدافع عن نفسك أو تقدم أدلة على أنك برىء/ أو أن الجريمة التى ارتكبتها لن توصف كجريمة بعد قليل أو كثير من الوقت.