حاولت أن أقرأ ما كتبته فى مثل هذا اليوم من العام الماضى.
ليست محاولة عاطفية تماما، رغم أننا فى مرحلة استبدال بكل شىء كلام عن العواطف… تحدث كارثة، أو مجزرة، أو مأساة، ولا يتحمل أحد النقد أو التفكير ويستبدلون بها سؤالا عاطفيا رخيصًا: إنت بتحب مصر؟ .
وكأن حب مصر شىء خرافى، بعيد، غامض مثل أسرار الكون، التى يمنعنا المؤمنين المبتذلين من التفكير بها لأنها تخص الكهان، أو الذين يسيطرون علينا باسم الكهنوت العلوى.
وكأن حب مصر لا يعنى أن تفكر وتنقد وتبحث كيف نخرج من المأزق؟ بل تعنى فقط السير خلف الكهنوت الحديدى، من كارثة لأخرى، وأنت تغمض عينك وتمحو بصيرتك التى محلها القلب، لتغنى فى جوقة الفاشلين: باحبك يامصر.. وكأن حب مصر سر عند مجموعة واحدة، أو عند المغنى الأول الذى من أجل استمرار احتلاله للمسرح يمكن أن يدمر العالم، لأنه يرى نفسه العبقرى المنقذ.. ومن أجل استمراره، ليتربع فوق العرش الذى ينتظره، فلتنتهى السياسة، وليكن كل شىء من إلهامه ووحيه، فيتحول السباق الانتخابى إلى سباق على الكلام، أو الأشياء التى تشبه قطع الجيلى الرديئة، فبعد أن تظهر قائمة اسمها صحوة مصر ، لا يكفيهم ذلك فتلتهمها قائمة أخرى. كل هذا والانتخابات غالبا لن تتم، لكن ليس هذا مهما فى مقابل أن تحتل الأغنية وعالمها المصنوع محل القلق المسيطر على الواقع، لتصنع واقعا افتراضيا بالكامل.
فى مثل هذا اليوم من العام الماضى كتبت أنه من المدهش أننا نستهلك الوقت، انتظارا لشىء قد يسقط من السماء. نستهلك فى وقت لا بد أن نفكر فيه، كيف سنعبر بهذه الدولة الميتة الأيام القادمة؟ فى الاستهلاك تشغلنا استعراضات الشراشيح وزفة محترفى التطبيل والنفاق، عن التفكير والفهم والبحث عن طريق العبور مرحلة ما بعد الثورات. الاستهلاك سيد الوقت الحالى/ ولا فرق هنا بين فتاوى وتحليلات وبرامج وتنظيرات ومؤامرات ومواقف، كلهم يقفون فى نفق الوقت المستقطع انتظارا لما لم يفكر فيه أحد.
هل تتخيل أن السيسى مثلا سيبنى سفينة نوح وينقذ معه نخبته المختارة؟ أم أن الطوفان عندما سيأتى سيختار من يؤيد المشير ويترك من لم يعلن تأييده؟ لا أحد لديه فكرة عن المستقبل/ ماذا ستفعل مثلا بإعادتك حفلات التعذيب/ هل تتخيل أن هذا سيحقق لك استقرارا؟ سيدفع الجميع إلى الإذعان؟ أم أنه يبنى أسوارًا يصبح بعدها الإصلاح أو الهيكلة مثل ماكيت يلعب به الأطفال؟
هناك استهلاك لكل شىء وأى شىء لأن الغريزة وحدها تعمل فى غياب العقل/ والشهوة تنطلق بلا فرامل والأنانية تعود كعنصر البقاء فى لحظة الجميع يشعر فيها بالخطر ويندفع إلى البحث عن نجاته، حتى لو قتل الآخرين.
من أنتم؟
لصالح من تستهلكون الوقت؟ هل لنرضى بالأمر الواقع؟ أو نستسلم لفشلكم باعتباره قدرنا؟
ماذا لديكم غير التعلق بسفينة السيسى؟ ماذا لدى السيسى نفسه؟
لا أسأل عن البرنامج كما يفعل الطيبون منا.. لكن عن مشروعه السياسى.. فالحكم ليس بطولة.. ولا استعراض شعبى.. ولسنا فى زمن عبد الناصر ولا بونابرت.. ولا فى خزعبلات الجبهة الوطنية التى يشكلها الحاكم فتتحول بعد قليل إلى عصابة حكم لا سياسة فيها.
نريد إدراكا للحظة الراهنة… لن يمنع أحد التغيير/ وكل منع أو محاولة توقيف للتغير هو وقت مستقطع/ استهلاك زمنى يُنتظر بعده الكارثة.
نريد إدراكا أن هذا بلد وليس كعكة.. سنتقاسمها.. وأنه لن ينجو إلا بعد إدراك أنه لنا جميعا، لا لفرقة ناجية ولا عصابة قاتلة، وأن الديناصورات انقرضت… رغم ضخامتها أو بسبب ضخامتها.
إذا لم يدرك عاقل أو منتبه هذه اللحظة ويعرف أن مصلحته ليست فى شهوته أو مطامعه أو فى تمكين جبروته.. فإن.. الأيام السودااااا لن تنتهى قريبا.
انظر وتأمل ماذا حدث بعد عام كامل، هل بنيت سفينة نوح؟ ماذا فعل استهلاك الوقت بالخطابات العاطفية؟ هل فارقتنا الأيام السودا ؟