وائل عبد الفتاح
وأنا أفكر فى قصة محمد دحلان… قفز إلى رأسى سؤال آخر بعيد تماما: لماذا يشعر حسين سالم بالظلم؟
بالطبع هناك تأثير لفقدانه النفخة الجبارة التى تعامل بها لسنوات على أنه «إمبراطور» شرم الشيخ، حين تماهت داخل نفسه الأدوار والمواقع ليستدعى كل ما لدى التاريخ البشرى من عنجهية أنصاف الآلهة.
ولم أهتز من حكايات حسين سالم فى حواره الأخير مع «المصرى اليوم» عن الفقر والبيت الصغير الذى يعيش فيه هو وأولاده، لكننى تأملت كيف أصبح عالمه حزينا دراميا، فالإمبراطور الذى لبى نداء رئيس حكومة مصر الفريق كمال حسن للعب دور خفى فى نقل الأسلحة لأن «الشركات الأمريكية» حرامية، لا يجد الآن من يسمعه أو يقدر على إعادته إلى مصر، أو يضمن له الحياة المعززة رغم أنه سيتبرع كما قال عدة مرات بنصف ثروته.
سيظل السؤال النائم، قيل أو تم إنكاره: ومن أين أتيت بثروتك أصلا؟ وما هى الأدوار الوطنية (لو كانت هذه هى الوطنية فعلا) التى تحول شخصًا إلى ملياردير عابر للجنسيات؟
حسين سالم هو أحد الذين اجتاحهم فيض الدول، التى ابتلعتها أجهزتها/ ابتلاع حقيقى يشمل الثروات والمعانى والرابطة، التى تجمع الناس الذين يعيشون على هذه الأرض.
وهنا فالثروة التى أغرقت الضابط السابق حسين سالم، كانت بسبب هذا الابتلاع، الذى جعل نصيبه من الثروات والهبات ديناصوريًّا، كما هو موقعه فى بناء «النظام المافياوى»، وكما مشاعره الوطنية الجارفة التى جعلته يتصور أن هذه المافيا نفسها هى «الوطن»، وهو نوع من التماهى نهايته حزينة، إن لم تكن مأساوية، كما رأينا فى قصة حزينة أخرى بطلها صلاح نصر مدير المخابرات المرعب أيام عبد الناصر، الذى أنهى حياته فى زنزانة يتسلى جيرانه فيها بحكاياته البائسة، واكتشافاتهم لمكامن الضعف فى شخصيته البائسة، بعدما حول الجهاز الجبار فى عهده إلى «كباريه سياسى» يبتز فيه الفنانات للعب أدوار «وطنية».
هذه المفارقات تثير إزعاج المثاليين، الذين يتوقفون عند القشور الأولى للتناقض بين أساليب العصابات الجنسية، وتلك المهام الوطنية، وهذه قصة شرحها يطول.
لكن ما يهمنى هنا هو التماهى، الذى يحدث فى دول تبتلعها أجهزتها، بين الدولة وبين الشخص الموكولة إليه مهام من نوع خفى، ولا يخضع للقوانين.
هذا التماهى نوع من الإفلات الكامل بالدولة إلى مسارات خارج «الجاذبية القانونية»، وهى تسمية مجازية ترى الدولة الحديثة هى تطور لفكرة العلاقة بين الناس والسلطة، لا يجعل السلطة استثنائية، ويتعامل مع الحاكم بمنطق مدير السلطة التنفيذية.
وهذا تقريبا ما يفسر قفزة السؤال عن حسين سالم بينما كنت أريد التوقف أمام محمد دحلان.