وائل عبدالفتاح
هل أزيح مدير المخابرات المصرية في موسم “ذبح الصقور“ ؟
يقال مدحا في قرار الإزاحة ان اللواء مختار التهامي كان كبير الصقور المعادية لثورة يناير في “التركيبة“ المحيطة بالمشير السيسي، وان التخلص من «الصقر» هو إشارة إلى “ثورة تصحيح“ تسارع ببناء النظام بعيدا عن الأجواء المباركية.
يقال هذا رغم ان هناك عودة إلى الصيغة “المباركية“ في العلاقات بين واشنطن والقاهرة، وذلك عبر مفاتيح يحملها الأردن كأهم عناصر التحالف الاميركي ضد “داعش“، وبالتحديد لأنه يمثل العنصر المخابراتي الأنشط والأكثر فعالية من الاجساد السياسية الثقيلة لدول الخليج.
المدخل المخابراتي في العودة إلى الحالة “المباركية“ سينتج عنه غالبا تهدئة في الأجواء السياسية إلى جانب تنسيق أعلى يتيح للسيسي حركة أوسع على الصعيد الليبي، وهذه أجواء يمهد لها منذ فترة وصلت فيها طائرات الاباتشي قبل أسابيع عدة وتلاها وصول السفير القادم من مناطق الاشتعال العربية بعد خلو المنصب لأشهر كاملة تجمدت فيها العلاقات عند مستوى “القائم بالأعمال»... وسبق هذه العودة مكالمات بين البيت الابيض وقصر الاتحادية نقل منها كل طرف ما يوافق صورته لدى جمهوره (إدارة اوباما ركزت على المطالبات الديموقراطية والرئاسة في مصر ركزت على أهمية التعاون الاستراتيجي..).
وهنا يقال تدعيما لرواية ”ذبح الصقر“ ان إزاحة السيسي لمرشده العسكري جاءت بطلب أميركي عبر الأردن، وفي مستوى آخر من الرواية الطلب كان بعد مهمته الأخيرة في السعودية ووصف دوره فيها بأنه “مضاد“ أو “معطل” لجهود المصالحة بين القاهرة والدوحة.
وتتناقض هذه الرواية مع “صراعات الأجنحة “ التي كشفتها تسريبات من مكتب وزير الدفاع والتي وصفتها السلطات المصرية بـ ”المفبركة” لكنها في الكواليس والغرف المغلقة وضعت كلها في ميزان الأخطاء للمدير السابق... وهو ما يشير إلى “تصفيات“ لا تقترب من ان تكون ثورة السيسي على نظامه، وان كانت تعتبر هزيمة لخلايا أمنية تتعامل مع الخروج الكبير في يناير على انه “ثغرة“ تسبب فيها “المجتمع المدني” و “الصحافة“ و “شباب الفيس بوك“ و شبكات الاتصال مع العالم... وهذه رؤية سائدة بين الأجهزة الأمنية التي ترى انها لن تتمكن من السيطرة من دون ضرب “الثغرة“، وفي هذا لا صقور ولا حمائم. انها تنويعات على إيقاع واحد.
أيتام من كل الأطراف.
هذا هو حصاد المصالحة بين القاهرة والدوحة، التي تلخصت حتى الآن في إغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وتغير الخطاب الإعلامي ووعود بالمشاركة في الدعم المالي لمصر (وعلى رأسها تأجيل المطالبة بوديعة المليارين). الايتام الذين حشدتهم أجهزة البروباجندا ضد قطر (الدولة العدو، ومركز الشر ضد مصر، وتجمع آلهة الكراهية لكل ماهو مصري...) ليسوا بأهمية الايتام من الضفة الأخرى، أي الإخوان ومن تبعهم من معارضة عاشت في رعاية وتمويل وحماية قطر.
فماذا سيقدم مارشال القاهرة ؟
استجابة السيسي لا تخص مباشرة علاقات مصر وقطر، لكنها جزء من اتفاق “خليجي” بما يعني ان مصر جزء من “حزمة مصالحة خليجية”.
ولهذا سميت الاستجابة «مصالحة». بل ان الأخبار تتسرب عن “قمة“ بين الشقيقة الكبرى والصغرى في الرياض.
الاستجابة أو المصالحة أصابت ايتام نظرية المؤامرة في حيرة (إذا كانت قطر متآمرة فكيف يمكن التصالح معها بهذه السهولة، ومن دون كشف لعنصر المؤامرة. وإذا لم تكن كذلك وكانت الحرب الدعائية ضدها ردا على طبول قناة الجزيرة، فهل يعني هذا انهيار الخطاب المؤامراتي؟ وإذا انهار كيف يعيش جمهور المؤامرة وثمة خبراء يصرخون في التليفزيونات “نحن نحارب العالم”.
ماذا ستفعل كتيبة الصراخ ضد قطر؟ وهل سيحذف اسم “الشقيقة الصغرى” من قوائم “المتآمرين“ لتبقى قليلا في قوائم انتظار قبل التحول إلى “الاصدقاء والاشقاء”؟
المعركة اغلبها في الميديا، وتتيح لكل طرف مزيداً من الضجة، لكنها في الواقع تمثل انكماشا متعدد الجهات.
الانكماش يكشف عن الرعب القادم.
ستتحول هذه المنطقة إلى ملاعب لنفايات الأمم. ستنقل إليها كل “البضاعة الخطرة على البشرية” لتمتص كل طاقات الشر والدموية، ولهذا تندفع إسرائيل إلى خلع أقنعتها جميعا لتغير الدستور وتكشف عن طابعها العنصري الديني في مشروع دستور جديد ترد به على أصداء الاعتراف بدولة فلسطين.
لم تتحمل إسرائيل “المكسب الصغير“ الذي خططت من اجله، وسارت بمشروعها إلى حافة التطرف حيث سيصبح عرب 48 مواطنين من الدرجة الثانية، واللغة العربية “تفقد صفتها الرسمية ويكون لها وضع خاص”.
الزمن لا يتقدم هنا الا كعنصر كاشف لقوة التكوينات القديمة، في وضع يجعل المنطقة ملعباً عبثياً تتسلى فيه الأمم بنفاياتها، انه الزمن الذي يلعب في اتجاهات عدة، حيث تنجح السعودية الان فيما فشلت أو تعثرت فيه وهي تلعب دورا هاما في حرب البترول (اكتوبر 1973): تنجح الآن في ان تكون مركز الملعب وهي لم يعد يعمل لديها سوى “الوجه السني”. دورها يتسع بينما يتهدد اقتصادها بانخفاض الـ40٪ من عائدات البترول وبالانكماش إلى الحدود المذهبية.
الحركة السعودية في المنطقة تتقاطع مع الحركة الاسرائيلية، وليدة الانكماش لا قوة الاتساع.
انه المال الذي يتحكم لأول مرة في المنطقة من دون أفكار ولا رؤى سوى تدمير المستقبل ليستمر الماضي مكللاً بشعارات وهتافات لأبقار مقدسة كل ما يشغلها الاستمرار في تقديسها.
"السفير"