وائل عبد الفتاح
الشيخ عبد المتعال الصعيدى أحد المشايخ الممنوعين من التجديد فى الأزهر/ خاض معركة حول الحدود فى الإسلام/ ومنه سنعرف لماذا يمنع الجهاد فى المؤسسة الأزهرية/ وكيف تتكون سلطة المشايخ؟
المذكرات منشورة ضمن ملف كامل فى العدد الأخير من مجلة «عالم الكتاب».. ومنها يمكن اكتشاف ميكانيزم تحول المؤسسات الدينية إلى مزارع تربية الفاشية.
كان الشيخ قريبًا من منصب رئيس الأزهر، لولا تعقد الظروف السياسية، لكن مناهجه ظلت منبوذة ومنفية بعيدا عن متناول الطالب الأزهرى الغارق فى متاهة تحويله إلى «سنيد» سلطة/ فكل سلطة تحتاج إليه وهذا يحتاج إلى تدريب.. وهو يتحول فى عصر بيزنس الفتاوى إلى سلطة تتم السيطرة بها على عموم الناس بمنطق نشر مشاعر الابتزاز بالدين.. فنحن من وجهة نظر خطاب استخدام الدين «نعيش فى الحرام» ولا ينقذنا منه إلا حكم جماعات إعادة الخلافة.. أو الحصول على صكوك الحياة الصالحة من مشايخ، يبادلون قدراتهم فى إصدار الفتاوى بمساحات عند أجهزة أمنية تدير الآن حتى القنوات الدينية (تابع مسار قناة الناس… مثلًا) وقفزات فى أرصدة البنوك.. وهو ما يكاد يجعل المشايخ طبقة ملحقة بطبقات السلطة.
إنها تجارة فى ما يمكن تسميته «الحفاظ على درجة التخلف المضبوطة على موجات السلطة..».
وهذه مهمة يرتفع فيها الطلب على المشايخ (كما يتجلى الآن..) رغم التغير الكبير الذى لاحق سقوط الإخوان من التشكيك فى خطاب «الابتزاز السياسى باسم الدين…».
وهنا أتوقف أمام جزء من مذكرات الشيخ عبد المتعال الصعيدى يحلل فيه الأرضية التى تنمو فيها هذه البكتيريا التى تترعرع طوال تاريخنا الحديث وتلتهمنا.. نعم تلتهمنا.
أتركك الآن مع هذه الفقرة من مذكرات الشيخ الصعيدى الذى كتب مذكراته تحت عنوان «مجاهد فى سبيل الإصلاح..» ولهذا ظلت بعيدة عن النشر أو الاطلاع أو التأثير.
يقول الشيخ:
«كان الشعور الوطنى للطبقة المتوسطة يدفعها إلى النهوض والجهاد فى تخليص الوطن من حكامه المستبدين والمستمرين، ولكن هذا العامل الذى دفعها إلى النهوض كانت تصاحبه عوامل من رواسب الماضى، تجعلها تتشبث بأسباب التأخر والجمود، فتضطرب أحوالها بين هذه العوامل، وتسير ببطء شديد فى طريقها، فلا تتقدم إلا لتتأخر، ولا تنهض إلا لتنتكس، ولا يزال هذا حالها إلى يومنا، لأنها لم تتخلص من رواسب الماضى كل التخلص. فرجال الطرق الصوفية كان لهم نفوذهم فى هذه الطبقة، وأكثرهم بمكان من الجهل بالدين، فإذا زاروا القرى فلا يهمهم إلا الموائد التى تقام لهم، وإلا حفلات الذكر وما فيها من غناء ورقص، وإلا إتاواتهم المفروضة لهم على أتباعهم، وكان من مصلحتهم بقاء أهل القرى على جهلهم وتواكلهم وجمودهم، لأن فى نهضتهم قضاء على نفوذهم. وعلماء الأزهر كأنوا أشبه برجال الطرق الصوفية، وكان كثير منهم صاحب طريقة من طرقهم، فإذا زاروا قرية فإنما يقصدون كبار الإقطاعيين فيها، ليوفروا لهم ما يريدون من مظاهر الهيبة، وما إلى هذا مما يريدونه منهم، فإذا اجتمعوا بأهل القرية فليوطدوا نفوذ هؤلاء الإقطاعيين فيها بما يلقون إليهم من المواعظ الدينية الجامدة. وخطباء المساجد لا قدوة لهم إلا هؤلاء الجامدون من رجال الطرق الصوفية وعلماء الأزهر، فلا يمكنهم إلقاء خطب ارتجالية مناسبة لحال عصرنا، وإنما يلقون خطبهم من كتب قديمة ليس فيها من الخطب إلا ما يزهّد فى الدنيا، ويخوف من الموت ويدعو إلى التواكل والعجز.
ولا تجد الطبقة المتوسطة بين اضطرابها فى هذه الحالة إلا أن تشغل نفسها فى حياتها المضطربة بالتنازع والتخاصم فى ما بينها. وقد كان آباؤها على عهد الإقطاع يقضون كل أوقاتهم فى العمل لأصحابه الإقطاعيين، فلا يجدون وقتًا للتنازع والتخاصم، فلما وجد الأبناء شيئًا من نسيم الحرية، ولم يجدوا التوجيه الصحيح فى ما وجدوه من ذلك، لم يكن أمامهم إلا أن ينقسموا بذلك على أنفسهم، وإلا أن يعودوا بها جاهلية آثمة تسفك فيها الدماء، وتضيع الأموال هباء فى التنازع أمام القضاء، وتنتقل الحال بهذا من سيئ إلى أسوأ، وتسير الأمة بما يضيع من أموالها فى طريق الفقر شيئا فشيئا، وتتعثر بذلك فى ما تريد من النهوض بوطنها، والقضاء على نفوذ المستبدين والمستعمرين فيها».
انتهت الفقرة.. وبقية المذكرات منشورة فى «عالم الكتاب».