ستظل هذه الأصوات ترن فى كل مكان حولنا.
صوت الاستغاثة إحنا بنموت .
وصوت العجرفة المنتقمة: ما تموتوا وتغوروا فى داهية .
هذه الأصوات سمعناها مسجلة فى دقائق التقطتها التليفونات الذكية ورواها أحد الناجين من مذبحة استاد ٣٠ يونيو.
هذا الراوى هو الذى استغاث، والصوت الذى رد عليه لواء بالشرطة، مهمته التى يخرج من أجلها ويحصل على راتبه الشهرى ومكانته الاجتماعية مقابل إتمامها هى حماية هذا الشاب الذى كاد يصبح اسمًا على بوابة المشرحة لولا الصدف.
لم يصدق أغلب الجناة أنهم يتنفسون الآن أو يروون لحظاتهم التى لن ينسوها، ولن ننساها جميعًا حتى مع كل محاولات الإنكار وتراكم المذابح والمجازر منذ أن خرج الناس من أقفاصهم الافتراضية يوم ٢٥ يناير، مطالبين بحياة جديدة بعد الموت البطىء تحت حكم العصابة.
اللواء الراعى لموت يشبه العقاب الجماعى، لم يكن وحده، كان خلفه قوات كاملة تعمل بمنطق الانتقام من لحظة التمرد على الأقفاص، لهذا لم يكن اختراع الأقفاص الحديدية صدفة ليمر منه الشباب الذى هتف يومًا فى مدرجات الملاعب ضد قهر وجبروت شرطة حبيب العادلى، الحارس الأخير لعصابة مبارك.
الأقفاص تحولت من استعارة سلطوية إلى حقيقة دامية فى ملعب ٣٠ يونيو، حيث حشرت فيها الآف ليمروا إلى المباراة، لكنهم ماتوا كما لو كانوا فى كمين انتقامى.
هل ذهب مشجعو الزمالك إلى كمين لتصفية فكرة المجموعة (أى مجموعة)؟
لا أهتم هنا بالجانب الجنائى (أى الخطة والتدبير والاتفاق السرى، فهذا جانب تدربت فيه العقول الشيطانية المجرمة التى ترتدى ملابس رسمية على إخفاء معالمه).
أهتم بالجانب الذى يبدو فيه كل شىء فى ذلك اليوم الأسود، كما لو كان اللعب مصيدة لشباب لم يدجنوا بعد، شباب يخوضون معركتهم مع السلطة من مدخل المتعة والشغف ، بما يمكن أن نختلف معه أو يقلقنا من المدخل.
لكن هؤلاء الساعين خلف اللعبة، بكل نزقهم، كانوا هدف تدبير مندوب من ماكينة عفنة تدير الرياضة فى مصر، مصمصوا كل حى فيها ولم يبق منها إلا الماكينة الشرسة التى تقتل من أجل استمرار السبوبة ، ويتعاونون مع قاتلى المتعة الذين تحولوا بعد الثورة عليهم إلى قاتلى طالبى المتعة ذاتهم.
هذا التحالف القذر بين الأراجوزات الدموية والقتلة البلهاء من مخابيل يحملون أسلحة، يتصورون أن القتل يمكنه أن يعيد جبروتهم التافه الذى حكمنا به ٣٠ سنة ويزيد.
تحالف القتلة وأراجوزات استعراض العصابات المالية، يفرض سيطرته على جميع المستويات: الوعى وتشكيله فى الإعلام، المجموعات الحاكمة التى لا تحكم إلا بهم، والناس الحائرون بين الرعب على حياتهم واليأس من إمكانية التغيير.
هذه لحظة القفص .
نحن فى القفص ننتظر الموت، ونسمع حشرجة صوت العجرفة المنتقمة.
وهى لحظة تحتاج إلى إبداع، لا إلى تحايلات سقيمة تستخدم الخطابات العاطفية، أو ألعابًا من نوع استخدام بالونة التخلص من محمد إبراهيم ليعيش نظام السيسى.
أصوات الاستغاثة والعجرفة ستلاحقنا فى كوابيس لا تنتظر النوم.
والخروج يحتاج إلى ما هو أكثر من كل محاولات التذاكى.. الخروج من الأقفاص حياة أو موت .