وائل عبد الفتاح
هذه غالبا ليست حربا، إنها إعلان بالصوت والصورة والصواريخ والقتلى، والصراع على «السلطة» فى الإقليم، قبل أن يكون فى اليمن. السعودية تعلن بهذه الحرب عن نفسها قوة إقليمية (سلاحا ومالا وقدرة على اتخاذ قرارات من تحت ضرس الحليف الأمريكى فى مرحلة أوباما المتردد).
لم تنتظر السعودية القمة العربية لكى لا تخضع لتوازنات ولا صراعات القرار العربى المتشابك مع العدو الأساسى (إيران) أو مع الحليف الأساسى (أمريكا). السعودية لم تتمرد على أمريكا، لكنها أرادت فى ظل حكم أوباما أن تغيّر بعض شروط التحالف، وتلعب فى مساحة أبعد من التى كان مسموحا لها بها. وفى إطار توسيع المساحات لم تبلغ السعودية حلفاء إقليميين مثل مصر، لأنها تضع «قوة» مصر بوزنها القديم فى إطار بناء «النسخة الجديدة» من قوتها، أى أن تحسب وزن مصر التاريخى فى طرفها، الذى تتوازن به إقليميا ودوليا.
لكن السعودية أبلغت أردوغان فى إطار ما يمكن تسميته توزيع الأدوار، ليكن «حزم» اليمن من نصيب الرياض، بينما لإسطنبول الحسم فى سوريا باعتبارها «الأولى بالقرب والمصالح».
وهذه ما فهمته من مقال لكاتب مقرب من صناعة القرار السعودى، هو جمال خاشقجى، الذى كتب فى «الحياة» اللندنية: كثيرا ما صرح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان برغبته فى فرض منطقة حظر طيران ثم منطقة آمنة فى شمال سوريا، بل إنه عرض فكرته على الملك سلمان خلال قمتهما الأخيرة ووجد كل تأييد منه، لكن السائد أن تحقيق هذه الرغبة لن يكون من دون موافقة الولايات المتحدة، إذا نجحت عملية «عاصفة الحزم» فقد تقلب هذه القاعدة، وينتفى الشرط الأمريكى، فيقول أردوغان: إذ فعلها السعوديون فلمَ لا أفعل مثلهم؟
لننظر وننتظر ونرى، ومثلما أيّد أردوغان السعودية فى عمليتها فى اليمن، ستؤيده السعودية بالتأكيد إذا ما قرر الأخذ بـ«مبدأ سلمان»، وهذا النزوع السعودى إلى «القيادة المباشرة» لحلف إقليمى، يدفع إلى تغطية حرب المصالح والنفوذ، بطبقات من العفن الذى غرقت فيه المنطقة بالهويات المذهبية، وليست هناك لعنة أكبر من غطاء حرب السنّة والشيعة، التى يتردد النظام المصرى فى الاستسلام لها، ويحاول الدفع باتجاه الحصول على غطاء الجامعة العربية (على المستوى السياسى)، وهو ما يجسده على مستوى البروباجندا استعادة شرائط أوبريت «وطنى حبيبى الوطن الأكبر..»، أو توزيع تعليمات على الأذرع الإعلامية بالإلحاح على أن مشاركة مصر فى العاصفة السعودية ليس إلا دفاعا عن «باب المندب».
ماذا ستفعل هذه التباينات فى مصير «عاصفة الحزم»؟ خصوصا أن النتائج الأولية للضربات الجوية لم، وغالبا، لن تحسم، لكنها قد تدفع الحوثيين إلى المفاوضات، وهذه لن تكون مفاوضات على حكم اليمن بين الرئيس عبد ربه والحوثى، لكن على توزيع أقاليم النفوذ بين السعودية وإيران.
الكلام عن العاصفة على اليمن لن ينتهى قريبا، وسيستمر بعد أن تتبدد غيوم وتحتل مكانها غيوم أخرى، وهنا سأشير إلى سؤال سألته قبل أسابيع عن مصير الخليج؟ السؤال يبدو غريبا لمن ينظر إلى المشهد الحالى، ويجد دول الخليج تقود المنطقة، بل تتقاسم حلبات المصارعة على السلطة الولاء الخفى أو المعلن لدولة من معسكرى السعودية/ قطر.
السعودية ترتب بيتها الداخلى، وتهندس تحالفا جديدا، توزّع فيه الأوزان والأحجام، بينما قطر فى معسكرها المنفرد تلعب لعبة التفكيك، ليصبح لها فى كل أطلال مسمار وركام.
كيف نسأل عن الخليج بينما جمهوريات ما بعد الاستعمار تتهاوى أو تتساقط أو تعيش رعب نهاية النعيم؟
المنطقة فى انفجارها تتحرك ما لم يحدث من قبل حسب إيقاع المال الخليجى، الذى لم يعد مجرد معونات أو دعم سرى، لكنه مال موجه لتوقيف «مشاريع التغيير» وموديلات الحياة الجديدة.
فى هذه الثورات كان إنقاذ المنطقة من التعفن فى حويصلاتها، فماذا فعلت أموال الخليج الموزّعة على طرفى حلبة المصارعات السلطوية؟
وماذا يريد الخليج بتفجيره الحاضر؟