هل تعرف ابن تيمية؟
إسلام البحيرى حكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة ازدراء «ابن تيمية»… الذى يعتبر «النواة الصلبة» فى تأسيس جماعات عرفت فى أدبيات السياسة والإعلام باسم «الإسلام السياسى» وهى جميعا تم تفريخها من إجابة مرعبة على سؤال: لماذا تخلفنا؟
هذه الجماعات هى مستعمرات تعيش بيننا لتربية جمهورها الواسع على إجابة واحدة دون تفكير: «تخلفنا لأننا أسقطنا دولة الخلافة..».
وتستبدل الجماعات: الخلافة بالإسلام.
وهو نفس ما فعله الحكم على إسلام البحيرى، حيث أصبح فقيه جماعات الجهاد (من أجل عودة الخلافة) هو «الإسلام…».
وهذا حدث بينما تنزعج بروباجندا مؤيدة للنظام الذى يتكون حول السيسى… من «نداء الكنانة…».. بل إن المفتى أصدر بيانا يعتبر فيه علماء الأمة الذين أصدروا البيان أقرب إلى «الإرهابيين..» وهم ردوا عليه بردود من قلب العقل المشترك بينهم جميعا، وبما يعنى أن هناك إجماعا من علماء الأمة (يقصد المشايخ أو من يريدون لأنفسهم كهنوتا سياسيا يجعلهم طبقة عليا فوق الدولة والمجتمع تمارس وصايتها) أن ما حدث فى مصر «جريمة..» لا بد من مواجهتها بكل الوسائل بما فى ذلك العنف (بما فى ذلك قتل وتصفية قضاة وضباط وإعلاميين وسياسيين وحكام..).
الردود على المفتى (وهو كهنوت منافس يتكلم من موقع مدافع عن النظام والسيسى) وكما جاء على لسان شيخ ظهر على قناة «الجزيرة» قال بالنص: «.. ورغم أننا ضد حدود سايكس بيكو (وهى الحدود الحالية التى قسمت ولايات الخلافة إلى دول وطنية بالمعنى الحديث) إلا أننا مضطرون إلى الانصياع إلى ما رآه العلماء فى مصر…».
هم يبحثون عن دولتهم المفقودة «أى الخلافة» ويعتبرون ذلك فرضا دينيا يمكنهم أن يقتل بسببه ملايين، وتدمر دول وشعوب ومجتمعات فى سبيل «إعادة الخلافة..».
ويسمون أنفسهم «أصلح من فى هذه الأمة» وهو ما يترجم باللغة الحديثة إلى «أننا النخبة الصالحة..» الذين من حقنا أن نفرض وصايا ونطلق فتاوى بالقتل والحبس… وغيرها من أحكام وممارسات «سلطة الكهنوت باسم الدين..».
وهنا تتلاشى المسافة بين كهنوت «جماعات الدفاع عن السلطوية الإسلامية» وكهنوت أنظمة السلطوية التى ورثت الاحتلال… تتلاشى إلى درجة أن كليهما مطلق الحرية فى تدمير الأعمدة الأساسية للحياة فى دولة حديثة أو عبور الثقب الزمنى الذى عاشت فيه الخلافة العثمانية.
كلاهما يتنافس فى فرض السلطة، ويدمر كل مكتسبات الإنسانية من الحق فى الحياة (ليس من حق أحد إصدار حكم بالموت على شخص آخر..) إلى الحق فى التفكير والتعبير والاعتقاد (أى تفكر فى اجتهادات شخص آخر مثل ابن تيمية … ولا يرد عليك بالسجن وإنما بالبحث أو بالتفكير..).
على هذه الحقوق قامت الدول الحديثة… وغير هذا مجرد إعادة تكوين لمستعمرات بربرية مثل التى تقيمها «داعش» فى أرض حرقها الاستبداد والسلطوية. البقع البربرية تتسع ليس بفعل «داعش» ولكن بمنافسيها من نفس المعسكر (جماعات العودة للخلافة) أو من المعسكر النقيض (الدولة.. التى فقدت أدوات كثيرة ولم يعد لديها إلا استنفار ذراعها الدينية وإطلاق الكهنوت الرسمى للمزايدة على المنافسين..). إنها النهايات… الثقيلة والثقب الدموى الذى يقوده أمراء الحرب الإسلاميون الذين سيذهبون جميعا إلى مصيرهم الداعشى…. ليحصلوا على فرصة إقامة بقعتهم البربرية… هنا فى مصر.. هذه هى فرصتهم الآن فى إقامة تحالف واسع مع عشاق البقع.
وهو ما يؤكد أن لا اعتدال فى تيار يقوم على التمييز (هم الفرقة المؤمنة/ الناجية) والتكفير (لا دين إلا معنا/ كل خارج عنا كافر).
والمشكلة ليست فى التنظيم ولكن فى بنية الفكرة.. والأزمة ليست فى صراع القيادة ولكن فى اختيارات تقودهم إلى الانتقام من ضياع فرصة السلطة.. وحلهم الآن فى نشر العنف فى الشوارع ولو وصل إلى حرب أهلية (والنظام يستثمر فى أرض الانتقام هذه بكل قوته….).
الديمقراطية بالنسبة للجماعة هى «بيعة» للمشروع الإسلامى/ مشروعهم/ وصك السيطرة على الدولة بعد فشل محاولات السيطرة بالبندقية (من التنظيم الخاص فى الجماعة أيام البنا وحتى جماعات الجهاد وفروعها الحديثة المتعاونة مع داعش). كيف ننجو من الثقب الدموى الذى يبتلعنا؟
فكروا قبل الولولة والبعبعة وترديد خزعبلات سفهاء بروباجندا تبيع طبولها لمن يدفع.