وائل عبد الفتاح
مسكين وزير الثقافة
لن يجد من يحاوره فى مهمته الأصلية. هو موظف، لا تشغله كثيرًا الأفكار أو الاستراتيجيات. رغم أنه أستاذ تاريخ، لكنه من كلماته الأولى لا يعبر عن بنوته للأفكار السائدة. مخلص لما يعتبره المزاج العام للمصريين. لا يجيد أكثر من الولاء كدليل شطارة، فيتحدث عن الرئيس الذى يجرى، وعليهم (… من هم؟) اللحاق به.
يعتبر أن النقاش أو الاختلاف حول أفلام السبكى هما فى القلب المركزى للسينما، وهنا تظهر عليه ملامح الموظف الداعية. أحد أنواع الموظفين الذين ظهروا فى سنوات الفراغ الأيديولوجى خلال عصر مبارك، حيث الكلام عن الأخلاق يملأ الفراغ، فيظهر الموظف والضابط وغيرهما دعاة أخلاق رشيدة، وتهذيب الشعب وإصلاحه. وبالطبع سيحدث الوزير هذه النسخة الأخلاقية بنسختها التى تتحدث عن التوجه الوطنى ، وكل هذه الكلمات المطاطة التى تستخدم أداة سلطة لا أكثر، بينما غابت الحريات (سر الثقافة والفنون الغائب..) وتحرير المؤسسات الثقافية من سطوة الأجهزة الأمنية (فالأمن هو الساكن الأصلى فى هذه المؤسسات).
الوزير الجديد يصلح لمعارك تختلف عن معارك الدكتور جابر عصفور الوزير الذى رحل دون أن يكمل مهامه التنويرية، داعية إلى بيضة المستحيلات الكبيرة التى يسمونها: التنوير، والتى تختصر عادة فى شكل قوافل تحمل أفكارًا يرشُّونها على سكان النجوع والوديان المستقرة من أيام الفراعنة، بخاخ التنوير لا يستخدم عادة إلا عندما تخوض السلطة معركتها مع الإرهاب، ورغم أن فكر التنوير يقوم منذ ظهوره فى القرن الثامن عشر على الشك، إلا أن آلهة بخاخ التنوير لم يتوقفوا مرة واحدة ليطرحوا سؤالا حول الطرق التنويرية التى سلكوها من قبل ولم تؤثر على مسيرة الإرهاب من جماعات القتل المثير أيام عبود الزمر وخالد الإسلامبولى وشكرى مصطفى، أيقونة التكفير والهجرة، لتصل إلى آكلى الدول والمجتمعات مع داعش .
ليس مهمًّا الآن مناقشة أزمة البخاخ التنويرى، لأنه أبعد بطريقة جارحة، وسلمت راية الثقافة الآن للقادم من سراديب الوظيفة، المختلف حول أصوله الأزهرية (الأزهر له فرع فى إنتاج الموظفين المدنيين عادى..) أو تأييد السلفيين (بعد تهنئة برهامى كأن إزاحة جابر عصفور انتصار سلفى…).. وهو غير كل ذلك، ورغم تمسحه بأفكار التنمية البشرية الحاكمة الآن، فإنه مجرد موظف يعرف اتجاهات الرياح وكيف يمكن تثبيت الوضع والسيطرة التى لا تزعج أحدًا.. فهو يحاول أن يجد لغته الهاربة من الأفخاخ، فيقول إن من حق الأزهر إبداء الرأى فى الأفلام، وبعدها مباشرة يضيف وفق القوانين .. فهو أراح أصحاب العمامة الباحثة عن سلطتها، وفى نفس الوقت أكد الحكمة الخالدة: كله بالقانون.. .
وغير هذا وذاك هو ابن التيار العادى الذى يرى مسار الصعود الوظيفى مكافأة إلهية، ويعتبر أن الحفاظ على النظام.. هو فى جوهره كل فعل لـ تمكين السلطة من مهمتها فى ترويض الشعب .. وإذا توحد الوزير الجديد أكثر من ذلك مع الخطابات العمومية فستجده بعد أن يغلق عينه الضيقة أصلًا سيحلم بأنه يقود فيلق الثقافة فى استعراض من استعراضات الفنان النقيب مصطفى كامل وإخوته.