رفع عادل إمام، البلطة فى نهاية فيلم «الغول» (وحيد حامد وسمير سيف، 1982).
عادل إمام هو «نجم الشباك» الأول. صورة المتفرج عن نفسه، بطله ومرآته. لم يعد الشخص الضعيف الذى يبحث عن فرصة صعود فى مجتمع الوحوش، وينجح بالفهلوة والطيبة والنية الحسنة فى اصطياد فرصته رغم كل القوانين المعاكسة. إنه هنا وجْه جديد للصراع مع الوحوش.
هكذا ثارت الصحافة ضد مشهد النهاية فى «الغول»، واعتبرته محاكاة (إيجابية) للحظة اغتيال الرئيس السادات، الذى قُتل فى مشهد تراجيدى بين جنوده وفى أثناء الاستعراض العسكرى السنوى فى ذكرى انتصار أكتوبر. القتلة من جماعات الإسلام السياسى أو الأصولية المسلحة أو غيرها من أوصاف تُختصر فى وصف واحد: الإرهابيين.
2- عُرض «الغول» فى يونيو 1983، أى بعد أقل من عامين على اغتيال الرئيس. ويروى قصة انتقام صحفى من أحد ديناصورات المال والسلطة، استطاع حماية ابنه من حبل المشنقة فى جريمة قتل ولم يكن -حسب تتابُع الحكاية- أمام الصحفى إلا البلطة لينتقم بها من الجبار الذى انتصر على القانون.
الفكرة مغرية دراميًّا، لأنها تقوم على انقلاب فى الصورة من مجرم إلى بطل، ومن قاتل إلى مخلّص شعبى.
3- تتكرر هذه الدراما منذ أن كان الحرافيش يهللون للفتوّة المنتصر، وعندما يزداد ظلم فتوّة ما وفساده يشجعون آخر، يتوسّمون فيه العدل والنزاهة.
سر الخوف من فيلم «الغول» وقتها أنه بدا مبرِّرا لانتظار الفتوة المنتقم، وهو ما سعت له جماعات العنف الدينى المسلحة قبل وبعد اغتيالها الرئيس السادات.. روّجت هذه الجماعات صورتها بغواية «البطل الشعبى» المناهض لدولة الظلم.
4- فى ثورة 25 يناير اكتشف المصريون طريقا آخر غير انتظار البطل المخلِّص أو الفتوّة.. الذى روَّجت له أدبيات سياسية ودعايات أيديولوجية، أو كان طريقا بعد إغلاق الطرق.
فى مناقشة بين أصدقاء على «فيسبوك» حول ظهور تنظيمات كفاح مسلح/ خارج الحزمة الإسلامية/ والتى جسدها فيلم آخر لعاطف الطيب هو «كتيبة إعدام».
محمد سعيد عز الدين (الذى يدرس تاريخ الجريمة فى جامعة نيويورك): «.. كلام مهم جدا أن حالة الكفاح المسلح هذه وليدة فشل يناير 1977 (انتفاضة الخبز) فى الاستيلاء على السلطة، الفدائى المسلح المخلص كانت إجابة لتعثر الصراع فى نهاية السبعينيات ونتيجة لدخولنا فى الزمن الميت فى الثمانينيات، عصر وطنية الكبارى والصرف الصحى».
من هنا يأتى «البريق الغريب» لفكرة «القاتل المخلّص» ردًّا على غياب دولة القانون/ أو العدالة/ أو انتظارا لتحقيق ما تعجز عنه ثورات فى منتصف طرقها/ هذا رغم أنه مع غياب الإسلاميين أو انكشافهم بهتت فكرة الفرقة الناجية المخلّصة من الشرور.
5- لكن مع تمترس «قوة الدولة» للدفاع عن نفسها ضد تحقيق العدالة/ هل عاد البريق إلى الفكرة؟
وإلى ماذا تقودنا فكرة الانتقام الفردى؟ أو فقدان الأمل فى منظومة عدالة؟ أو فى سيطرة نجوم التعذيب على مقدرات الأمن؟
.. وماذا سيحدث إذا لم نرَ ونتفحص الإشارات القادمة من تصفية الضابط وائل طاحون أحد نجوم التعذيب اللامعة؟
هل سيتوحش تنظيم التعذيب؟ أم سيتوحش المنتقمون؟
هل نرى الإشارات؟ نفهمها؟ وستدفعنا إلى تفكير خارج الصناديق المعتمة؟
هل سندرك أن «الوضع الحالى» لن يؤدى إلا إلى كارثة؟
من حكايات القاهرة (بتصرُّف).