الكلام الآن عن «القوة العربية المشتركة»..
الكلام بدأ قبل قليل، وبالتحديد بعد الطلعة الجوية المصرية على ليبيا.
ستحارب من؟ ستحمى من؟ أسئلة مهمة:
1- الإعلان عن قوة عربية مشتركة سيكون بين لحظة وأخرى، كما كتبت قبل أيام فى افتتاحية السفير ، وسيشارك فيها: مصر والأردن إلى جانب السعودية والإمارات والكويت، وتوزيع الأدوار فى هذه القوة لا يحتاج إلى جهد كبير.
2- القوة هى موضوع التفاوض أو مركز ترتيب إقليمى جديد يدور حول السعودية بمعايير وأوزان نسبتها تختلف عما كان فى الأيام الأخيرة للملك عبد الله.
3- الاحتمالات كلها مفتوحة.. بما فى ذلك عدم الإعلان عن القوة حتى والأخبار عن وجود بشائر من هذه القوات على الحدود الشمالية للسعودية.
4- مهمة القوة غالبا ستتركز مهماتها فى الجبهة الشرقية للحرب مع داعش.. أى الخليج والأردن.. أما الجبهة الغربية (ليبيا) فستترك لمصالحات تتم بمنطق العيش المشترك وكما يقال عنها.. بمعنى أن المهمة تتعلق بالجبهة المفتوحة على الحدود مع السعودية، وربما لتساعد القوات العراقية التى تتدرب الآن على مواجهات فى الموصل.
5- القوة لن تكون تحت رعاية أو إشراف من الجامعة العربية، وهو ما يعنى أن هناك اتفاقا دوليا بشأنها (إذا أعلنت) ولم تنتظر الغطاء العربى كما انتظرته قوة الجيش العربى التى تكون معظمها من الجيش السورى لدخول لبنان فى 1976.
هذه إذن مرحلة جديدة من الحرب ضد داعش .. وهى حرب كبرى (وطويلة.. رغم تسارع إيقاع الأحداث) وخروجنا من عصر البلادة والاحتضار البطىء إلى عصر يأكل فيه الإرهاب الدول والصيغ القديمة.
الحرب مع داعش جزء من سنوات الانتقال فى منطقة تكشف رعبها بعد سقوط قشرة الاستبداد الأولى.
داعش تلهو فى دول ابتلعتها أجهزة مخابراتها من قبل (العراق وسوريا وليبيا)، بينما لم تقترب من دول تعيش على استبداد مدعم بريع البترول، وهى التى تقود الآن الحرب.. لاستعادة توازن المنطقة.
وهذه مفارقة، فالشياطين الإرهابية لم تولد من فراغ ولم تسقط بمظلات مخابراتية، لكنها تربت فى رعاية نفس الدول التى تقود الحرب ضدها.. ربما لأن الوحش.. تضخم ويهددها، أم أنه استنفد أغراضه ولا بد من تفجيره كما حدث مع القاعدة وأسامة بن لادن؟
داعش غير القاعدة .
الإرهاب فى حد ذاته نهاية وبداية.. نهاية السيطرة الكاملة.. طموح ويأس.. وهذا ما تقوله داعش باسمها التجارى ووقعه الصوتى الذى يجعل من تنظيم الدولة وحش الوحوش السابقة والتالية.
داعش تنظيم ما بعد حداثى، يواجه أنظمة ديناصورية تعجز معدتها عن ابتلاع كل شىء، يتمدد داعش من المشرق إلى المغرب بكل ما أوتى من قدرة على التهام الدول، وبكل ما يمتلكه من خفة تنظيم ما بعد حداثى يعيد تركيب نفسه عبر الصورة والشعار، لا يلتفت كثيرا إلى الفتوى والفقه، حتى إن داعية إعلانيا من دعاة داعش فى أحد استعراضاتها الدموية لم ينشغل كثيرا بالسند النظرى أو المرجعى الشارح لمقولة صادمة تصف النبى محمدا بأنه المبعوث بالسيف رحمة للعالمين ، كأنه ينتعش بالصدمة من الشعار (من قطاعات تربت على أن الإسلام لم ينشر بالسيف) أكثر من النقاش، ويوقظ كل المشتاقين إلى أدرينالين جماعى يفجره عنف أندية القتال ، أولئك الرومانتيكيون الذين يعيشون فى شقوق مجتمعات تعيش على التوافق والاندماج والتواطؤ مع العنف الكبير الذى تمارسه أنظمة السيطرة والتسلط الشامل الكامل وتغطيه شعارات فاتنة.
عنف المافياوات السلطوية، ليس سببا مباشرا وأوتوماتيكيا لعنف الدواعش، كما تقول التفسيرات الأكاديمية الكسولة أو التحليلات الساذجة، لكنه ينتج فائضا ضخما من العنف، تعيد الداعشية تركيبه فى سياقات منافسة/ لا رد فعل/ ولا حادث عارض تحتاج إلى مؤسسات الترويض الكلاسيكية من إعلام ومشايخ/ لكنها تحتاج إلى إنهاء عنف السيطرة والتسلط، وأنظمة تحتكر السلطة والثروة بكل ما أوتيت من سلاح.
موضوع القوة العربية ، وكما يبدو هو تأكيد جديد أننا نشهد حربا ما بعد حداثية بين ديناصور جريح ووحش لا يمكن تحديد جوهره أو أصله الأول.
ونحن نلعب دور الجمهور والضحية معا.