القاتل فى حيرته
أخر الأخبار

القاتل فى حيرته

المغرب اليوم -

القاتل فى حيرته

وائل عبد الفتاح


هل سنعرف لماذا قطعوا لسان كريم حمدى قبل قتله؟ لا أعتقد أن حتى قتلته يعرفون.

نعرف أسماء ضابطى أمن الدولة (أو الوطنى، لا فرق كبيرا…) التى أكد قاضى المعارضة حبسهما ١٥ يوما على ذمة التحقيقات.

لكننا لا نعرف ماذا يمثلان بالنسبة إلى جهاز حائر فى نفسه: يعود إلى موديل العادلى وزكى بدر؟ أم يبرز صفحة جديدة؟ يتجبر وينتقم ثأرًا من جمعة الغضب أم يعيد بناء صورته على أساس جديد؟

الجهاز مثل النظام الذى يريد بناء نفسه، دون خطة ولا رؤية أبعد من النظام (مبارك آخر الجنرالات القدامى بقناع مدنى) الذى سقط بعد ٣٠ سنة، ولا حتى النظام (المرسى مندوبًا لجماعة الابتزاز الدينى) الذى سقط فى أقل من ٣٠٠ يوم.

فى هذا الارتباك فإن مجرمى الأجهزة الرسمية يسيرون بغريزتهم/ تحركهم قوة انتقام رهيبة، وعجز وانعدام كفاءة تجعلهم يتصورون أن الأمن هو محو الرافضين للإخضاع من على وجه الأرض وتدفعهم إلى ارتكاب ما يرفضه عقلهم، حتى لو على سبيل المصلحة، وليس النزعة الإنسانية التى لا نحتاج إلى مجهود لندرك غيابها عن هؤلاء المجرمين، بل واستبدال نزعة وحوش الغابة فاقدى الثقة فى قوتهم الخرافية بها. هنا يتحول القتل فى أقسام البوليس إلى جريمة خارج سيطرة فاعليها أو المستفيدين منها ، وهو ما تفسره حالة الارتباك فى ملاحقة المجرمين فى قتل شيماء الصباغ وفى استاد الدفاع الجوى، وأخيرا المحامى كريم حمدى (أحد ٣ قتلوا فى يوم واحد فى نفس القسم)، وجميعها جرائم ارتكبت فى أقل من شهر، وهى ذروة متصاعدة لاتجاه القتل خارج السيطرة الذى بدأ مع مذبحة رابعة العدوية .. وربما قبلها بقليل. التبرير (بالظروف والحرب على الإرهاب.. والرعب المتجول فى الشوارع والمدن).. لم يحسن الوضع الراهن شيئا، بل إنه كان الغطاء الأنيق لعملية تدمير كامل لمؤسسات الدولة أو ما بقى من أطلالها بعد سنوات الاستبداد والفساد، لصالح سيطرة الطامعين فى أن يكونوا عصابة المستقبل)، لنصل إلى واقع لم يعد إنكاره مفيدا: ضياع الثقة فى منظومتى الأمن والعدالة (وهو ما يحتاج لإعادة ترميمه إلى وقت طويل). وهنا لا تشبه جرائم التعذيب والقتل فى الأقسام الآن شبيهاتها أيام مبارك، حين كان التعذيب منهجيا، من حيث تعطيلها لسيطرة النظام (الذى يريد أن يكون جديدا)، وتكشف عن تصارع بين التعامل على الأرض بين قيادات تتقن الكلام العاطفى المستهلك، لينطلى على جمهورها، وبين ضباط أدمنوا الانتقام وتفلت شهوتهم المريضة بما يمثل إهدارا يوميا للقدرة على السيطرة بالكلام الحنون. لم يعد سهلا التضحية بكبش فداء (ولهذا يحظر النشر فى جرائم الضباط بعد فشل الروايات المخبولة عن متهمين آخرين). كما أن الانتقام مثل الأشباح الخرافية يتضخم بالتدريج (ومع عدم الثقة فى الأمن والعدالة) حتى يبتلع كل شىء، حتى رغبات الحكام الجدد فى السيطرة/ وأحلامهم بالنجاح، وأمنيات الناس بالأمان. سيصنع الانتقام مناخا سوداويا تتساوى عنده الحياة بالموت، ويفتقد فيه كل إشارات للمستقبل.. سنغرق جميعا فى يأس العبور من اللحظة الراهنة، كأننا نغوص فى بركة بلا قاع، أو محيط رمال متحركة معزول.

نحن فى هذه اللحظة التى يعم فيها اليأس والرعب، أشرس أدوات الدولة الاستبدادية، لكن المجموعة الحاكمة ستفشل فى استخدامها، لأنها لم تدع وحدها مالكة تلك الأدوات، ولأنه إما أن نعترف الآن بأن الصيغ القديمة انتهت فاعليتها، وتعطلت أدواتها، وإما سنظل ندور فى تلك الحلقة المفرغة. هى لحظة مرت بها دول العالم، أمريكا (فى الحرب الأهلية)، إسبانيا (فى حبر فرانكو على الشعب).. فى العالم كله عندما قرر هتلر حرق كل شىء تحقيقا لسيطرته الكبرى.

فى هذه اللحظات لا بد من إدراك أن ما جربناه لم يعد صالحا للتجريب، وأنه لا بد من الوصول إلى شعور بأن طريقتكم فى الحكم.. فاشلة ولن تصل إلى شىء. وأننا لا نحتاج إلى وجوه جديدة، ولكن علاقة جديدة.. بين الحاكم والناس/ السلطة والمجتمع.. نحتاج إلى دولة جديدة، لا الاستقتال فى سبيل إعادة دولة لم تعد صالحة إلا كملعب للقتلة والحواة والزومبى.

ما نعيشه منذ سنوات لحظة عابرة.

أنتم عابرون كما كان كل الذين أعادوا القديم.. وانتهوا نهايات بائسة.. والناس خرج منهم كرماء يضحون من أجل إنقاذ حياتنا المشتركة هنا.. إنقاذها بالمعنى الكبير الذى يجعلنا لا نعيش رهائن فشلكم الدموى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاتل فى حيرته القاتل فى حيرته



GMT 20:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 20:14 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 20:08 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ترمب وإحياء مبدأ مونرو ثانية

GMT 20:06 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 20:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 20:01 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

GMT 19:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

في انتظار ترمب!

GMT 19:54 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة ساركوزي!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 21:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

فالنسيا يقيل مدربه باراخا بعد التراجع للمركز قبل الأخير

GMT 11:01 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

اكتنز ثواب وفضل ليلة النصف من شهر شعبان

GMT 20:16 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الهدف الأول لليفربول عن طريق ساديو مانيه

GMT 12:05 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

"ديور" تطلق مجموعة جديدة ومميزة من الساعات

GMT 00:12 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

إنتر يواصل ملاحقة الصدارة بثنائية في كومو

GMT 23:47 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

نيكولاس غونزاليس سعيد باللعب في غير مركزه مع يوفنتوس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib