وائل عبد الفتاح
بدأت الفقرة الثالثة من التحالف مع الخليج..
انتهت الأولى (.. كانت من أجل التخلص من حكم الإخوان).
والثانية (.. لخوض حرب ضد داعش ، وهى حرب لن ينتصر فيها أحد).
الفقرة الثالثة خشنة يغيب فيها إلى حد كبير الجو الودى/ والمشاعر الفياضة التى وصلت لأول مرة إلى إعلان رئيس مصرى أن السعودية هى قائدة العرب .
هذه المشاعر الفياضة تخْفُت بالتدريج من الطرفين، ويتسرب علنًا أو قسرًا كل ما يعكر الجو العاطفى بين القاهرة والرياض.. مرة بما يقال فى كواليس القصر الملكى الجديد عن تغيير السياسة الخارجية/ والانتقال فى التعامل مع السيسى من القبول المطلق إلى القبول المشروط ، وهو ما يعنى أن الدعم المالى لن يتغير لأنه مرتبط بتوازن مصالح سعودية.
كما أن التحالف مع السيسى سيضمن ود مصر وقوة معنوية ومادية فى إطار تصعيد السعودية كلاعب إقليمى رئيس فى مواجهة إيران وتركيا، كلٌّ من موقعه. على الطرف الآخر فإن المجموعة المدعومة من السعودية، هى تربية الكهنوت المباركى، بعقلية الموظفين، مضاف إليها عقلية تجار التجزئة، الذين يرون الشعب المصرى عبئا عليهم/ شعب من الجعانين اللى عاوزين نأكلهم وبدلا من التفكير والتخطيط والرؤية، فالتفكير السائد: كيف نتصرف فى قرشين لسد الأفواه الجائعة مقابل منح الخليج إحساسا بأن قوة مصر تحميهم وهو ما لم يحدث فعليا إلا فى حرب تحرير الكويت.
والمشكلة هنا تبدأ من التوصيف، فالموظف التاجر/ قليل الحيلة/ العاجز عن التفكير/ يعتبر نفسه فى مهمة سيطرة وترويض ليس أكثر، وأنه أمام قطعان جائعة، بينما العقول السليمة وأصحاب الرؤى المحترمة تراهم قوة بشرية (وهنا الفارق الذى يتضح فى تجربة البرازيل، حيث وصل حكم العصابة إلى درجة تأجير ميليشيات من ضباط قدامى لقتل الأطفال الفقراء حتى لا يلوثوا نظر الأغنياء.. بينما مع التداول الديمقراطى وتنافس الخطط والرؤى ظهر مَن اعتبر البشر قوة دافعة للتنمية).
هكذا اتخذ الخليج مكانته من توارث النخب التى تتخيل أن مهمتها إطعام قطعان الشعب.. وحارب ملوك وأمراء الخليج لكى لا يظهر موديل مختلف (بالثورة/ أو بالديمقراطية.. ) يربك معادلاتهم.
وفى فقرات التحالف الثلاث استطاع الخليج ولأول مرة اللعب بوضوح فى توازنات القوى داخل مصر، إلى درجة أن مدير مكتب وزير الدفاع يبلغ مساعد رئيس الديوان الملكى بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالموافقة على ترشيح السيسى فى أثناء الاجتماع، وإلى درجة أن التفاوض بين السيسى والإخوان وقبل الوصول للحكم بشهور كان يتم وبرعاية الملك سلمان وولده فى اجتماعات فى إسطنبول، وإلى درجة أن الأبواب التى أُغلقت فى وجه سامى عنان فُتحت بطلب من مجموعة الملك سلمان.
الخليج يبحث عن نقطة لقاء بين معسكرَيه السعودى والقطرى، بينما الدول الخارجة من متاهات حكم الأجهزة المخابراتية أصبحت مثل ثقوب سوداء تبتلع كل شىء.
المعركة الثقافية بين الوهابية والإسلام المصرى كانت غطاء لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية. استمرت الحرب وأخذت أبعادا جديدة مع وصول جمال عبد الناصر، زعيم الانفلات من الغرب، وصدامه مع الملك فيصل، السياسى المحنّك فى دولة اعتمدت على التحالف مع القوة العظمى فى العالم (إنجلترا ثم أمريكا).
لكن السعودية وبعد اختفاء عبد الناصر، استطاعت عبر فيصل بعد أن أصبح ملكا، وبقيادتها حرب البترول فى 1973 أن تنقل العلاقة من حرب بين الجمهورية المصدّرة للثورة والملكية المقاتلة للحفاظ على الثروة/ أو بين مركز التقدمية العربية ومركز الرجعية العربية، إلى تناغم مستقر (تحالف المعتدلين كما يسمونه.. أحيانا). الرياض اجتذبت القاهرة إلى تحالف الحكمة الذى يعنى لا شىء يتغير يعنى أن العرب بخير