ستبقى هذه الحكاية…
حكاية مؤرقة، ليس لأنها حكاية مذبحة، لكن لأن ضحاياها شباب وصبية سافروا خلف شغفهم باللعب وولعهم بلعبة، وعادوا فى توابيت…
اصطادهم صياد كان يدافع عن دولته…
صياد غامض مقيم فى مكان ما، وكلف بمهمة مقدسة لإعادة دولة تعرضت لمحاولة إنقاذ يسميها المنقذون ثورة …
هذا الصياد خرج من كتلة اعتبرت أن هذه دولتهم وتسرق منهم… خرج وخطط ليوقف مهزلة الإنقاذ وينتقم من كل المنقذين، ليعود القدر إلى مساره، ويذهب المقيمون على هذه البقعة من العالم إلى جحيم لا يعرفون فيه الحق من الخداع، ولا العدالة من الأمر الواقع ، الذى يفرضه الصياد وكتلته، التى من فرط صلابتها تتفكك…
الأرق من الحكاية يدفعنا أحيانا إلى إنكارها..
هل حقا قُتل ٧٢ صبيا وشابا فى ملعب وبسبب لعبة؟
الموت كان يلاحق الألتراس.
تلك الكتلة الهشة من مجتمعات عاشت طويلا تحت الاستبداد… هشاشة الألتراس كانت مرعبة فى حضورها المسرحى كل مباراة.
هم سكان الركن المنسى من المدرجات، الباحثون عن متعة حقيقية بعيدا عن صناعة تبيع كل شىء لمن يملك فقط، إنهم الجمهور الذى أصبح نجما أعلى من النجوم، والمهووسين الباحثين عن اللعب إلى الأبد، إنهم العشاق المتيمون باللعبة، لا بالماكينة التى حولتها إلى صناعة رأسمالية لا يقدر على الاستمتاع بها إلا من يملك ثمن التذكرة.
الألتراس ليسوا فقراء، لكنهم يبحثون عن متعة خالصة، التهمتها ماكينات ضخمة مضغت كل هذه المتعة وحولتها إلى بضاعة غالية، تحقق لهم الأرباح الخرافية، بينما المتعة أصبحت أقل.
الجنون بالمتعة الأصلية ليس كل ما لدى الألتراس، لكن الخروج عن سلطة السوق، التى أصبحت تحدد كل شىء، وتصنع آلهة اسمها نجوم الكرة، وتجعل من اللعبة ببساطتها، وحشا كبيرا ممنوع الاقتراب منه إلا عبر مروضى الوحش من تجار وسماسرة وإدارات واتحادات وشركات إلى آخر هذه المافيا التى لا يهمها المتعة مقارنة بتدوير ماكينة الأرباح.
الألتراس ضد السلطة، التى تحمى هذه الماكينات بكل ما لديها من أدوات قهر وسيطرة. إنهم ضد التيار، يبحثون عن متعة قديمة، ويتوحدون بلون الفانلة وبقوة تجمعهم… وهم فى القلب من الفكرة مجموعات فاشية، تدار بمنطق العصبة المتجمعة حول زعيم أو مجلس زعماء، يقودون كل معارك تدميرهم أشكال السلطة من الأمن المركزى إلى إدارة النادى.
خيالهم هو سر نجاحهم، هذا ما قد تكتشفه بعد صدمة اقترابهم من الفاشية، وتكتشف أيضا أنهم مثل كل التجمعات المضادة للسوق، تحكمهم علاقات وروابط مخيفة، لأنها لا تلتزم بقوانين أصبح متعارفا عليها ولو كانت ظالمة. العمال الباحثون عن متعة الكرة فى إيطاليا تقريبا هم أول من قرروا تحويل الركن المنسى فى الملعب إلى مركز جديد، عندما فكروا فى أن يجلسوا فى هذا الركن بتذاكر مخفضة، ويقيموا استعراضهم الذى سيجعل الجاذبية لهم وحدهم.. من هنا الألتراس هو الجنون الكامل بالفكرة.
وبهذا الجنون أصبحت مجموعات الألتراس.. نجمة ملاعب الكرة، وصانعة دهشتها… وحاولت السلطة وضعهم تحت السيطرة، فظهر العداء الذى جعل ألتراس الأهلى والزمالك الناديين الكبيرين فى طليعة الثوار يوم ٢٨ يناير بجسارتهم وقدرتهم على تحدى ماكينات الأمن الجبارة. الأمن لم يرحم يومها العزل والمتظاهرين السلميين، وانكسرت هيبته عندما كسر الألتراس حاجز الخوف…
هذه البطولة تم اصطيادها فى فخ بورسعيد، على يد ألتراس منافس… الصياد هنا لم يظهر فى التحقيقات الرسمية… التى هندست روايتها للمذبحة على أنها عرض من عروض العنف المميز للألتراس… وهنا تظهر بورسعيد… متهما رئيسيا باعتبارها الحاضن لألتراس يستطيع قتل كل هؤلاء الضحايا باعتبارها مدينة العنف الكامن…
دراما سهلة… تحول صياد الألتراس إلى شبح… وتختزل الحكاية فى رواية بوليسية ركيكة… تصنع من بورسعيد مدينة للشياطين..
واختفى الصياد…
واستمرت كتلته فى الدفاع عن دولتها…
واستقرت التفاصيل باعتبارها مثيرات للجنون والإيمان بالعبث، الذى يجعلنا نصدق روايات مخبولة عن وقائع عشناها… ورأيناها.
وفى هذا تفسير لما حدث للدكتور زهدى الشامى.