الهيستيريا تلتهم كل شىء..
كابوس..
الدم يحتل المشهد بضراوة..
جنون دموى..
القتل يبرر بسهولة.. منظومة العدالة تدمر نفسها باسم الحفاظ على الدولة.. والإرهابى يقضم مسرحه الاستعراضى متجولا كأن الدولة تغيب بالكامل.. تغيب بمعناها الرمزى بعد غيابها الواقعى.
المؤسسات التى انشغلت عن مهام الأمن أو العدالة.. أصبحت صيدا للإرهابى.. صيدا سهلا.
والإجرام مبرر بالمظلومية.. كأن المرسى الذى كان سيذهب ببؤسه، وفشله، وسلطويته الخائبة، سيعود بمظلوميته وتحويله إلى ضحية هيستيريا يبدو أن لا أحد قادر على وقفها.
ندخل كل يوم مستوى جديدا من مستويات كابوس عميق.. نحن جميعا/... أقصد جميعا.. على اختلاف مواقعنا وأحلامنا ومصالحنا... نحن جميعا فى انتظار شىء ما سيحدث.. كأنه معجزة/ أو نقمة تسقط من السماء.
وهذا أمر لا يعنى السماء.. ولا من فعل الطبيعة.. لكنها لحظة تمتزج فيها التواريخ بالسياسة/ والمثاليات بألعاب ترويض الشعوب../ والثورة بسيرك ينتظر ساحره/ أو يتعلق بذيله لينقذه من الرعب القادم.
الانتظار له علامات تقتل الروح/ تعطل العقل/ تجعل النظر مشوشا.. والأهم أنه يسرق نصف الإرادة/ويبقى الهواجس فى مصاف واحد مع الأفكار.
إنها المؤامرة الكاملة..
كابوس نعيشه يوميا/ ونفكر فيه ونحلله ونحن ما زلنا فى قبضته... كيف نفلت؟
ربما هذا هو السؤال القاسى/ المرعب.
هل نسافر بعيدا عن عالم السياسة؟ هل ننسى إنسانيتنا ونمنح صكوكا على بياض للمذابح؟ هل نقف مع الإرهاب لأن القوة التى تواجهه لها تاريخ معنا فى القمع والقهر واستعراض عضلات الإذلال؟ أم نتحمل انتقامها المصاحب للمواجهة حتى يمر الكابوس؟
وهل هناك كابوس أكثر من التعود على الدم والحياة بجوار الجثث والخوف من الانفجار المختبئ فى مكان اختاره مغامر أو مقاتل يحقق إيمانه بقتلنا؟
هل هناك كابوس أكثر من أن أمراء الإرهاب/ قاتلينا/ يصنعون مظلومية لأنهم لم ينجحوا فى حكمنا/ويفشلون فى قتلنا/ ويريدون أن نتعاطف مع حقهم فى إقامة عدلهم الخاص: إما السلطة أو القتل؟
هل هى ضريبة سنعبر بعدها إلى عالم أفضل؟
من يضمن لنا؟
وماذا سيتبقى منا بعد أن نتورط فى حرب لم نأخد حذرنا منها ونحن نطلق أحلامنا فى الحرية والعدالة والكرامة.
العقل يقول: لا مستقبل لهذا البلد/ ولا خروج من الكابوس إلا بالحرية والعدالة.
ومن قال إن للعقل صوتا/ أو اعتبارا فى لحظة الهيستيريا الجماعية المدمرة للجميع/ فعلا للجميع.. باستثناء طبعا القوارض التى تعيش على الجثث/ وتلهو فى أماكنها أعلى قمم النفايات.
من قال إنه ليس مهما أن تلتقط قطعة من الكعكة الآن لأنك ستفقدها بعد قليل.. فالرياح أقوى من كل القراصنة/ والموجة أعلى مما يمكن أن يسيطر عليه قوى أو جبار.
نحن فى انتظار ما لا يجب انتظاره.
بينما الخروج من الكابوس يتطلب إعلانا شجاعا بأننا جميعا فى حاجة إلى قانون للحياة/ لن نتخلص من أمراضنا ولن نصبح ملائكة/ ولا ديمقراطيين/ ولا عصريين/ لكننا نريد قانونا للتعايش بين من تعايشوا تحت القهر/ وانفجروا بالحرية/ وتتنافس على قمعهم كيانات سلطوية.
نريد الحياة..
ونحلم بالسعادة..
وهذا ليس ترفا.. لكنه حد أدنى.. وصلت إليه مجتمعات العالم عندما أكلتها الحروب والنزاعات القاسية.. ووصلوا إلى معادلة: إنهم لن يغيروا ما بأنفسهم.. لكنهم سيضعون قواعد/ عقدا اجتماعيا/ وثيقة تعايش/قانونا للبقاء/ يضمن للجميع فرصة لحياة مشتركة لا تخضع للوصاية، ولكن لاحترام «المجال العام» أى الذى نعيش فيه.. يمكنك أن تملأ بيتك بالقاذورات، لكن عندما تصل جراثيمك إلىَّ فهناك قانون يحمينى منك.
وهنا لا بد أن يصمت قليلا من يروجون لعباداتهم فى دعايات أنيقة.
مندوبو مبيعات الوصاية والتسلط لا دولتكم التى تنشرون عبادتها تصلح للمستقبل..
كما أن تنظيمات احتكار الطريق للجنة.. لا جنة معها ولا طريق.
أنتم فاشلون.. اتركونا نعيش..
أنتم كابوسنا..
أنتم أيها السلطويون الأوصياء.. مرضنا الخبيث الذى يجب أن نواجهه بشجاعة.