سؤال بسيط من الأسئلة التى تظهر فجأة فى أحاديث المساء، أو جلسات تداول الشأن العام، وعلى عكس ما كان يحدث فى السنوات التالية لسقوط مبارك وعصابته وعائلته، فإن الشأن العام يشبه وخزات نهرب منها جميعا. وإذا لم يكن من بين الحضور أباطرة الاستقطاب ومندوبو الكيانات المتصارعة على «ماكينات التسلط»، فإن الحديث ينتقل سريعا إلى أجزاء أقل ضراوة.
فالجو العام يثير اليأس والإحباط والشعور العارم بالفشل «.. دون أن يدرك أحد ماذا يعنى النجاح، ولا كيف كان سيتحقق بمجرد رحيل مبارك وعائلته من قصر الحكم».
وهنا فإن السؤال عن دولة الطوائف يصيب بالعجز إذا تصورت أنها ستختفى بمجرد تولى المشير طنطاوى مقاليد الحكم هو ومجلسه العسكرى بعد خروج الناس فى الشارع.
لكنّ هناك ما يختلف قليلا عن العجز، وهو المواجهة، فسابقًا عندما كانت فرق من الشرطة والجيش تصطدم يكون هذا سر الأسرار الحربية، ونتذكر جميعا واقعة اقتحام طلاب الكلية الحربية قسم شرطة ١٥ مايو انتقامًا لزميلهم.
تسربت أخبار وفيديوهات الاقتحام وسط تعتيم إعلامى وتهديدات بالمحاكمة العسكرية لمن ينشر الخبر، وأوغلنا وقتها فى تحليلات سنراها طريفة أو خفيفة الدم مقارنة بما عرفناه فى السنوات الأربع، وما كشف عنه سقوط الستائر بالغرف المغلقة أو خروج «الكيانات الكبيرة»، أىْ مؤسسات الدولة من مراقدها لتواجه خروج الشعب عن السيطرة ثم لتطرد كيانا منافسا «الإخوان» من المنافسة.
هذا الخروج لكيانات الدولة لم يكن صدفة/ ولا نتيجة صراع داخلى «كما حدث أكثر من مرة وانتهى بحركة تنقلات فى خرم البيروقراطية الجاثم فوق الصدور».. لكنه كان نتيجة إضافة عنصر جديد إلى المعادلة: وهو احتمالية خروج الناس.. «على غير موعد/ ودون قدرة من آلات الأمن المتضخمة على توقيفها».. المهم أن خروج الكيانات الكبير كشف مطبخ «الدولة» الذى كان مثار أساطير وخرافات ورعب كبير، ومن بين هذه الاكتشافات أن الدولة تحولت فى سنين مبارك الأخيرة إلى طوائف بالمعنى المهنى، وكل مؤسسة خاصة ذات مهام أمنية وقضائية أصبحت مغلقة على ذاتها، لها كهنوتها، ومصالحها، وروابطها الوثيقة، ودائرة سلطة مستقلة ودورة عمل خارج سيطرة الدولة أو بمعنى أصح انتقلت المؤسسات من مرحلة الإقطاعيات التى تسلمها الدولة لمخلصيها لطوائف تدير نفسها بتنسيق مع المجموعة الحاكمة أو تحت سطوتها.
وهنا أصبح اقتحام الشرطة العسكرية لقسم شبين الكوم خبرا عاديا جدا، ولم يكن هناك حاجة إلى تفاصيل «أن هذا يتم دفاعا عن زميل حربى».
الموضوع انتهى بالقُبلات/ ورفع علامات النصر والقبضة/ وتصريحات الـ«زوبعة فى فنجان» بعد أن وصل الصدام إلى هتافات مستعارة من مجموعات تتضامن نفس هذه المؤسسات لضربها وطحنها لكى تنعدم تماما فرصة وجود عنصر الخروج على النظام.
ولا يكفى هنا الترحم على القانون ودولة القانون أو أسئلة من نوع: وماذا يفعل إنسان عادى دون طائفة إذا وقع ضحية تعسف من مؤسسة أمنية؟ الضابط الحربى وجد طائفته لتقتحم قسم الشرطة وتدافع عنه.. فمن سيجد هذا الإنسان الصغير الذى يتسلى الناس عليه؟
وهل فى دولة الطوائف يمكن أن يُحترم قانون، بدايةً من قانون المرور «سيارات عدد لا بأس به من الضباط دون أرقام» وحتى قوانين حماية الحريات الشخصية؟
دولة الطوائف ليست دولة... هى «غابة البقاء فيها للأقوى..» للمسنود/ المركون على حائط/ القادر على تحريك عزوته.
دولة الطوائف ضد «الدولة» تتغذَّى عليها/ تمتصها بالتدريج/ وتقيم إمبراطوريات اقتصادية/ وأوزان شخصية/ ومحميات سياسية/ مقابل انكماش نصيب الفرد والمجتمع.
فى دولة الطوائف نحن لسنا رهائن.