يختبر محمد إبراهيم الآن موقعه الجديد.
فهو صعد لأعلى فى الحكومة، دون اختصاصات محددة، وفى ركلة، من أجل حمايته غالبا، أو من أجل طمأنة ما، لمجموعات مصالح عملت بكل قوتها فى عهده الذى انقسم إلى مرحلة الترميم، عندما عمل فى ظل المرسى، ثم مرحلة العودة التى بدأت باعتبار أن الشرطة شريكة فى تحالف ٣٠ يونيو.
المرحلة الأخيرة انفجرت فى وجه الوزير الذى تعلقت برقبته جرائم متعددة، لا تسقط مسؤوليته عنها بالركلة إلى أعلى.
لن تسقط الجرائم، ولن يحاكَم محمد إبراهيم، لأن النظام فى بنيته ضد المحاسبة أو لو اضطر إليها يتكون شكلية، ووفق منطق كبش فداء يثير الجدل ويسكِّن الاحتقان والغضب بالبحث فى دراما التغيير.. لماذا تم بعد حرق قاعة المؤتمرات؟ ولماذا صدر القرار معلَّقًا بين الإقالة والتكريم؟ وكيف سيُدار ملف الأمن فى وجود ٣ وزراء داخلية دفعة واحدة فى مواقع الإدارة (الرئاسة/ الحكومة/ الوزارة)؟
هناك أسئلة لا تُحصى عن استخدام عنصر المفاجأة (كان محمد إبراهيم يتحدث عن خططه المستقبلية فى احتفال يوم المجند قبل إزاحته بقليل، كما أن الوزير الجديد لم يمهل المتربصين ساعات حتى أجرى الشقلبة وهو وصف تردد بقوة فى أروقة لاظوغلى).
أسئلة أخرى عن دور أحمد جمال الدين الذى اختفى بعد تعيينه مستشارا للرئيس، وبعد تصريحاته عن التغيير فى قيادات الشرطة، حتى بدا الاختفاء هزيمة لإعادة ترتيب (الشرطة من الداخل)، لكن هذا يعنى أن الشرطة ستتم قيادتها من الرئاسة.. فى مرحلة يعيد فيها السيسى سيطرته التى بدت فى مهب صراع أجنحة .
الأسئلة كلها تقوم على التخمينات، وهذه طبيعة الأنظمة المضادة للشفافية، حيث يحاول الناس تخيل ما يحدث فى الغرف المغلقة.. الإعتام الطبيعى يجعلنا نقرأ مرارا وتكرارا الأسباب الحقيقية لإقالة محمد إبراهيم.. أو يجعل هناك من يعلن سعادته بالقرار بما يفضى إلى حماس من أنواع شحن تأييد وشعبية السيسى، لكن الغريب هو ما وصفت فيه الإقالة بأنها نتيجة ضغوط المعسكر الديمقراطى ما بعد قتل شيماء الصباغ ومذبحة استاد الدفاع الجوى.
التغيير إذن يدور فى غرف مغلقة، ووفق ترتيبات تتعلق بـ قبضة السلطة أو تمكن المجموعة الحاكمة من السيطرة على المؤسسات، خصوصا بعد أن تكشفت شبكات مصالح نائمة بين المال القديم مباركى النشأة، وشرائح فى أجهزة لم تمت بعد نزعتها للمطالبة بحصة فى السلطة.
هل يعبّر التغيير إذن عن قوة؟ أم مغامرة فى حرب الأجنحة المتخيَّلة داخل السلطة؟
هل هناك علاقة بترتيبات ما مع الخارج.. سارع بالتوقيت (قبل أسابيع قليلة من المؤتمر الاقتصادى)؟
ولماذا يتم التغيير فى القيادات الأمنية بعد لقاءات السيسى مع أحد الحلفاء الإقليميين؟
أسئلة تحتاج إلى ما هو أبعد من التشاؤم والتفاؤل/ الحماس والإحباط.. خصوصا أن غيوما كثيرة تتجمع فى لحظات الارتباك، فالكلام والجدل والاستقطاب مثلا عن المصالحة مع الإخوان يتضمن فورانا دعائيا، أكثر منه واقعا سياسيا، كما أن التحالفات الإقليمية تتحكم فى الداخل بأكثر مما نتوقع.
وهذه ليست مذبحة قلعة كما صوَّرها خيال نشيط تليفزيونيا، كما أنها ليست تنفيذا لنصيحة هيكل طهِّر نظامك ، كما قال البعض من العارفين بالتكوينات الجينية للدولة.
هذه كلها إسقاطات لم تعد صالحة للاستخدام فى ظل نظام لم تظهر ملامحه، أو اتجاهاتها.. والحقيقة لم تظهر غير الرغبة فى إحكام السيطرة والحكم، وهذه المجموعة تعمل فى ظل رغبة بقايا نظام قديم فى الصحو واليقظة وتشغيل الشبكات النائمة، ولأن هذه المجموعة ليس لديها رؤية ولا بنية ولا مشروع سوى موروثات النظام القديم، تنتعش البقايا بما تمتلكه من غريزة توقظ النائم.. وتمنحه الأمل فى إعادة التشغيل.
هذا الصدام أبعد قليلا من صراع الأجنحة ، ويمكنه أن يكون تفسيرا لركلة محمد إبراهيم الذى فشل فى السيطرة على الحالمين بالعودة، ومخابيل الانتقام من يناير ورموزها وما تمثله.
وهذا يجعل محمد إبراهيم حائرًا الآن: هل ستكون الركلة لأعلى آخر ما سيدفعه، أم أن الأمور ستتفاقم بشكل ما ليكون مقابلها ما هو أكثر من الركلة؟