وائل عبد الفتاح
ما زلت مع الرواية التى نستكملها من مذكرة المستشار مصطفى خاطر والمستشار إبراهيم صالح لمجلس القضاء الأعلى، الرواية تثير التساؤل حول دور الرئاسة فى حفلات التعذيب التى تمت على يد ميليشيات ما زالت طليقة، وقادتها أحرار، بينما أراد النائب العام ومن قبله المرشد بديع إعادة اعتقالهم بعد إخلاء السبيل. الرواية وصلت أمس إلى حدود تقديم رئيس الديوان الجمهورى مذكرة مصاحبة لاعتقال من أطلق عليهم بلطجية هو والنائب العام والرئيس الذى أضاف صفة المأجورين، هكذا قبل التحقيقات أو الاستماع إليهم. نعود إلى نصوص المذكرة: 3- وفى الفقرة الرابعة، وبعد أن تسلم المحامى العام المتهمين ومعهم مذكرة من رئيس الديوان الذى كان على تواصل مع النائب العام، تقول المذكرة: «.. وعقب ذلك عرض علينا المحضر الخاص بالواقعة يوم الخميس فى الثالثة والنصف مساءً وشرع فريق التحقيق فى النيابة فى مباشرة التحقيقات واستجواب جميع المتهمين وقد أُرفقت مع التحقيقات محضر التحريات والذى تضمن ضبط المتهمين بمعرفة المتظاهرين أنفسهم...». من كتب محضر التحريات؟ ومن استجوبهم؟ وما علاقة الرئاسة ورئيس ديوانها بالاستجواب والتحقيق؟ فى الفقرة القادمة... ما سيجيب عن هذا السؤال. 4- فى الفقرة الخامسة تقول المذكرة: «... أثناء التحقيقات أذاع التليفزيون المصرى خطاب السيد الرئيس باعتراف المتهمين بتلقيهم أموالا، وأن هناك أدلة على ذلك، وهو ما لم يثبت فى التحقيقات...». أى أن رئيس الجمهورية تصوّر أن السيناريو سيتم بسرعة، وأعلن ما خطط لأن تكون عليه التحقيقات قبل أن تتم، ويبدو أن كاتب السيناريو غير محترف، أو تعامل على أن كل عناصر اللعبة فى يده، لم يعرف أن النيابة لن تصدق على تحقيقات ميليشيات الإخوان، وتورط فى الإعلان عن اعترافات لم تتم، واتهامات لم تثبت، وهنا لم يكن أمام الاتفاق الثلاثى (الرئاسة والجماعة والنائب العام)، إلا التدخل المباشر كما يظهر فى الفقرة القادمة. 5- فى الفقرة السادسة تقول المذكرة: «.. وبعد الانتهاء من التحقيقات تم عرض الأمر على السيد المستشار رئيس المكتب الفنى للنائب العام، والذى أفاد بأن النائب العام يرغب فى إصدار قرار حاسم فى شأن هؤلاء المتهمين فأبلغنا سيادته أنه لا توجد أى أدلة من شأنها إصدار قرار حبس للمتهمين، وأن آراء جميع أعضاء فريق التحقيق قد اتفقت على إخلاء سبيل جميع المتهمين ما عدا من ضبط بحوزته أسلحة نارية وعددهم 4 متهمين، وقد أخطرنا بأنه يتعين علينا حبس مجموعة من المتهمين من البسطاء الذين لا يشغلون وظيفة، وكان عددهم 45 متهمًا إلا أننا رفضنا هذا المطلب، وقام السيد إبراهيم صالح رئيس النيابة بعد إخطارى، وأنه سيخلى سبيل جميع المتهمين، وتم إعلان قرار إخلاء السبيل لعدم وجود أدلة للمتهمين جميعا...». هنا لا بد من وقفة حول هذا الموقف المثير للألم، المذكرة تنص بالحرف أنه طلب من المحامى العام أن يحبس البسطاء الذين بلا وظيفة، والسبب معروف طبعًا لأن من طلب يتصور أن لا أحد سيدافع عنهم، وأنهم الأسهل فى تلفيق التهم إليهم، وأن ظهورهم على الشاشات الحكومية سيكمل سيناريو الجماعة ومندوبها فى الرئاسة بأن معارضيه «بلطجية». هذه أكثر الفقرات إثارة للألم والقرف من هذا الحس الطبقى التافه الذى يتعامل مع من يسميهم «بسطاء»، وهى تسمية سخيفة ومتخلفة، بهذا القدر من التعالى والإجرام فتلفق لهم قضايا أو يستضعفون، أو يستغل موقعهم الاجتماعى فى الحصول على اعترافات بالتعذيب. وفى الفقرة الثامنة، «... على الرغم مما تقدم ومما تضمنته الأحداث ومن مقابلة السيد النائب العام من إهانة لشخصى ولفريق التحقيق فى القضية وتهديد غير صريح يسفر عنه رغبة سيادة النائب العام فى حبس هؤلاء المتهمين، وهو ما أشار إليه البيان الصادر من مكتبه فإنه سوف يتم حبس من تتوافر أدلة ضده حتى من تم إخلاء سبيله منهم...». انتهت فقرات المذكرة ولم تنته الرواية الكاملة عن دور الرئاسة فى حفلات التعذيب، لماذا كان أمراء الميليشيات يدخلون القصر ويعودون منه بينما يعامل المتظاهرون السلميون العزل بكل هذه الوحشية؟ وما دور رئيس الديوان؟ وما العلاقة بين كل هذا وخطبة المرسى ومن بعدها خطبة المرشد بديع؟ أسئلة هامة قبل أن يتحول الإجرام إلى أداة للحكم. نقلاً عن جريدة "التحرير"