وائل عبد الفتاح
يمكن فهم حتى الإجراءات الاستثنائية أحيانًا..
إلا التعذيب فلا تبرير له.
أكرر أنه يمكن حتى تبرير وجود 25 ألف معتقل/ مسجون سياسى خلف الزنازين.
يمكن فهمها بأنه شعور بالخطر واقتراب الموت فى كل لحظة، أنه ارتباك أجهزة أمن تفتقر إلى الكفاءة/ وأنها تنتمى إلى عصور الأمن بالقمع، وهى عصور اعتمدت على كسر نفس الشعب، لا مكافحة الجريمة/ أو تحقيق الأمن.
عصور انتهت بالثورة/ وبمشهد الهروب الجماعى لضباط الشرطة وعناصرها فى مواجهة غضبة يوم 28 يناير/ وكل من كانوا فى شوارع القاهرة، ذلك اليوم لن تُمحى من ذاكرتهم مشاهد خلع الملابس فى الشوارع/ والسير بجانب الحائط/ إلى آخر تداعيات «كسرة العين» من الخوف.
ومن الطبيعى لجهاز عاش هذه التجربة أن يتعلم أن الشعب الذى ثار مرة لن يمل من تكرار نفس المشهد، إذا عادت نفس العلاقة..
والشعب ممكن أن يصفق للشرطة، لأنه يخاف من الإرهاب لكن أن تعود نظرية «كسر النفس».. فهذا يعنى أن الدورة ستدور وبشكل أسرع هذه المرة ليتكرر مشهد 28 يناير/ لكن هذه المرة بعنف وشراسة لا يمكن أن توقفها اعتبارات إنسانية.
ولهذا فإن عودة التعذيب إلى الأقسام والسجون لا يعنى إلا شيئًا واحدًا: لا أحد عاقلًا يتعلم من الدرس.
فهذه أجيال لا تُكسر..
لأنها ليست وحدها.. خلفها ذاكرة حية.. ومجتمع إن خاف من الإرهاب سينسى الخوف بعد قليل، وسيتذكر أن لا حياة دون كرامة وأن هناك مَن مات ليحيا الناس فى مصر بلا خوف من ضابط تافه تقول له روحه المعتمة: اكسرهم فى السجن تَخْلُ لكم الشوارع وتُحقِّقوا الإذلال الكامل.
الحكايات تتسرب حول التعذيب/ والغضب لا يتسرب.. يتضخم.. ولن يوقف انفجاره أسوار الحجر ولا بوابات الفولاذ..
وبعد الشهادة التى نشرتها هدى زوجة خالد السيد.. نشرت صفحة «الحرية للجدعان» ما رواه المتهمون للمحامين فى جلسة تجديد الحبس أول من أمس، من بينها:
- متهم شاب يبكى أمام النيابة، ويقول إنه تم تهديدهم بمزيد من التعذيب لو تحدثوا عما تعرضوا له.
- متهم: تم ضربى من ساعة اﻻعتقال فى ش 26 يوليو، وحتى قسم الأزبكية وتم إجبارنا على الوقوف 16 ساعة، ورفضوا إعطائى دوائى.
- متهم: تم تغمية عيوننا وضربُنا وشتمُنا بالأب والأم وسبُّ الدِّين من قِبل الأمن الوطنى، وكنا 60 فى غرفة 3 م، فى قسم قصر النيل.
- المحامون يطالبون بإثبات وقائع التعذيب ووكيل النيابة بيقول دى جلسة تجديد حبس والمحضر ﻻ يتسع.
- متهم: ضربونى على قفايا وأنا طبيب. إزاى أحب بلدى؟!
- متهم: تم صعقى بالكهرباء فى أجهزتى التناسلية فى قسم الأزبكية وقالوا لنا أنتم خو....
- خالد السيد: اتكلبشت واتعلقت فى سجن أبو زعبل.. ويخلع ثيابه أمام وكيل النيابة لإثبات الضرب فى الظهر والفكّ.
- الشرطة بتهدد الشباب باستمرار التعذيب قدامنا، ورئيس النيابة بيقول لنا أنا مش مسؤول عن حبسهم!
- رئيس النيابة بيتعنت فى إثبات الانتهاكات اللى حصلت للشباب.
- الشباب بيشتكوا من تعرضهم للتعذيب فى القسم على يد ضابط يدعى مجدى عرفة، معاون مباحث قسم الأزبكية.
- متهم: اضربونى بالرصاص لو مش عايزينّى بس ما ترجعونيش السجن تانى.
انتهى ما رواه المتهمون/ وإضافة إلى أنها حكايات موجعة فإنها تشير إلى عودة مجرمى التعذيب إلى التصرف على راحتهم ودون رادع/ عودتهم للانتقام/ ولتكرار أساليب «كسر النفس» وهذه نفوس لا تُكسر.. وهذا ما لا يعرفه ضابط التعذيب/ ولا من يتركهم يلهون بنفوسهم المريضة فى الشوارع وبين جدران الأقسام/ لا يعرفون أن جريمتهم لا تسقط بالتقادم ولا بموالسة القيادات لحمايتهم/ ولا بسكوت أجهزة العدالة/ أو نوم الإرادة السياسية فى عسل لا يمكن لأحد أن يذوق حلاوته.. لأن عودة الإذلال لن يمنح لأحد نومًا هادئًا.. وكما قلت من قبل أيها الضابط السادى..المحتمى بما لم يعد له قيمة.. إذا دعتك قدرتك على التعذيب.. فاعرف أن النوم سيخاصم عينك، وأن دولة جبروتك ستسقط ومعها كل من يحميك.. ومن تحميهم بساديتك المنحطة.
نقلاً عن "التحرير"