وائل عبد الفتاح
يبدو أن كل فترة لا بد من التذكير ببعض ما يمكن نسيانه فى ظل فوضى مشهد يتخيّل الإخوان المسلمون أنهم يكسبون من النقد أو المعارضة الحادة للصراع السياسى الدائر فى طريق الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، أو فى طريق إصلاح الدولة وإعادة تنظيمها على أسس الحريات أو الحفاظ على الحقوق فى إطار بناء دولة المواطن لا السلطات.
هذه شىء ومظاهرات الإخوان والهبو الأصفر هو دفاع عن سلطة ضائعة، لا عن حقوق وحريات وديمقراطية كان الإخوان واحدة من كبرى العقبات فى طريقها، كما أضاعوا فرصة تاريخية فى بناء المجتمع ومجاله السياسى.
هذه التفرقة مهمة فى هذه اللحظة التى يجنى فيها الإخوان كثيرًا من التوجّه السلطوى-الأمنى الذى لا يريد أن يرى انعدام الكفاءة أو الفشل، ويبرره بغياب قوانين وسلطات وصلاحيات.. وبدلًا من تطوير أو إصلاح المؤسسات الأمنية، تنطلق حملات غازية تجسّد شعار قاله وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، فى اجتماع الحكومة: «نحن على الجبهة.. وأنتم لا تساعدونا..».
الوزير طبعًا، وحسب عقليته القديمة، يفكّر فى أن مهمته ستنجح بمزيد من السلطات والصلاحيات والحماية، ولا يلتفت إلى أنه ما زال فاشلًا رغم قانون الطوارئ وحظر التجول، ورغم عدم الاعتراض الواسع على الانتهاكات بعد أن وصل الشعور بالخوف من الإخوان إلى حدود من الكراهية والرفض، ستُسجل فى تاريخ الجماعات البشرية.
لم يلتفت الوزير، طبقًا لعقليته القديمة، إلى أنه رغم كل الظروف المواتية لرياح الشرطة والتى وصلت إلى حمل الضباط لأول مرة فى التاريخ الحديث البنادق علنًا، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ مزيدًا من القوانين؟ لكنكم لن تستطيعوا تنفيذها بهذه الأجهزة المشغولة بسلطاتها والمنفوخة بعنجهية فارغة، والتى تهتم باستعراض السلطة «اقرأ يوميات المواطنين مع كمائن الشرطة، خصوصًا فى نفق أحمد حمدى لتدرك أن كل هذه العنجهية لا تنجح إلا فى إذلال المواطن لا حمايته..».
هذه العقلية لا تتطور لأنها تربّت على أنها لكى تؤدّى وظيفتها تحتاج إلى مزيد من الحماية القانونية للانتهاكات، وبدلًا من الإصلاح والتطوير تبتز هذه العقلية الجمهور الخائف بهذه الكلمة «ساعدونا..».
والحقيقة أن هذه العقلية تورّط المجتمع كله، وتدفع تركيبة 30 يونيو إلى مجهول لن يصب إلا فى صالح ابتزاز الإخوان للمجتمع كله.
.. ويبقى هنا ما أردت التذكير به:
1- هناك عملية خداع واضحة تتم عبر أجهزة بروباجندا الإخوان تسعى لإرباك القوى الديمقراطية/والثورية بنشر الشعور بالذنب للمشاركة فى إزاحة الإخوان ومندوبهم فى القصر.
2- الخداع هنا هو وضع مطالبات الإخوان بعودة نظامهم ضمن مطالبات بناء نظام ديمقراطى.
3- الخلط هنا خطير بين السير خلف-مع الإخوان فى محاولتهم إعادة نظامهم الذى عطل الديمقراطية وأفسد المسار السياسى، وبين إرادة قوى سياسية فى عدم الوقوع فى الفخ مجددًا، وتشككها فى مسار 30 يونيو بعد خروج الطيور الجارحة من مدافنها، مطالبة بعودة الزمن إلى ما قبل 25 يناير.
4- الخلط هنا خطير، فالإخوان يطالبون بالسلطة، لا الحرية، ويسعون إلى فرصة جديدة للتسلط لا بناء ديمقراطية، والأهم أنهم يعرفون أن مسعاهم ومطالباتهم ليست سوى ورقة ضغط للتفاوض من أجل خروج قادتهم الذين شاركوا فى عملية قتل الديمقراطية عبر سنتهم السوداء، كما تحالفوا مع الجماعات الإرهابية التكفيرية لإنقاذ مندوبهم المرسى «.. وللذكرى يمكن مشاهدة تسجيل كامل للقاء الصالة المغطاة..»، كما أن منصة رابعة كانت مسرح إرهاب معلنًا وليس خافيًا على أحد.
5- هذا يعنى بصراحة أن مظاهرات الإخوان هى من أجل حجز مكان على طاولة مفاوضات، وهذا يخصّهم وحدهم، أما التصميم على بناء نظام ديمقراطى فله طريق آخر.. وله مفاهيم أخرى بداية من الشرعية وحتى محاكمة المسؤولين عن مذبحة رابعة.
6- الشرعية بالنسبة إلى الإخوان هى عودتهم وعودة المرسى إلى السلطة.. وفى هذا إلغاء للإرداة الشعبية التى بالمناسبة تريد أجنحة كثيرة إلغاء دورها أيضًا واختصار ما حدث على أنه عملية عسكرية بقيادة السيسى.
7- هناك قطاعات سعيدة بهذا الإلغاء للمشاركة الشعبية.. والإخوان يرفعون صور ديكتاتورهم البائس/الفاشل تعبيرًا عن هذا الإلغاء.. وفى المقابل هناك مَن يرفع صور السيسى، لكى تتحول مطالبات عودة الجيش إلى الثكنات إلى عودة الشعب إلى البيت.
8- هنا لا بد من فك الارتباط بين الاعتراض على ممارسات سلطوية تطل من تركيبة الحكم فى 30 يونيو وبين صراع الإخوان من أجل ابتزاز المزيد من المكاسب بالتفاوض.
9- الهدف الآن من مقاومة أعراض السلطوية على تركيبة 30 يونيو هو تقويمها أو الضغط عليها، لكى لا تتحول إلى معبر ديكتاتورية جديدة وسلطوى جديد يجلس فى القصر، ويبحث عن مفاتيح الصناديق المغلقة فى ميراث مبارك.