وائل عبد الفتاح
نعم إنه يريد أن يُصلحنا وهو يقتلنا.
يتصوّر أن الحقيقة المطلقة ملك يديه.. وأن الحلول بجيبه الأيمن يخرجها مثل حبّة فوارة سيشربها المجتمع كل يوم إلى أن يصل إلى مجتمع الفضيلة.
تنظيمات عاشت على نشر الكآبة والذنب العمومى.. واستسهلت الإجابة عن الأسئلة الكبرى عن التخلف بأننا عصاة أو كفار.. نستحق القتل بالرصاص والقنبلة والجنزير.. ليتطهر المجتمع.. وبين قتلنا بالكآبة أو بالرصاص تشكّل جسد ضخم من تنظيمات يدّعى كل منها أنه الفرقة الناجية فى مواجهة مجتمع كافر.
تلك الفكرة القنبلة، أطلقها «سيد قطب» مستثيرًا كل جروح العجز فى «المستضعفين» ونافخًا فى مشاعر الاضطهاد عندهم.. هو نبى التطرف الذى حوّل ألمه الذاتى فى سجون عبد الناصر إلى خطاب متكامل، أصبح فيه الألم رغبة فى الانتقام، وجدت مرجعيتها فى أفكار أبى الأعلى المودودى فى الهند.
صورة محفورة بخليط الاضطهاد والتضحية ودفع الثمن والاغتراب عن الواقع. والهجرة بعيدًا عنه إلى موديل حياة يتخيّلون أنها تشبه التى عاشها النبى محمد والصحابة.
فى الفكرة إرهابى كامن.. يتصوّر أن عنفه مقدّس.. يحمل تصريحًا إلهيًّا يجعله يقسم العالم إلى «فسطاطين».. وحتى فى قمة الاعتدال فإن علاقة العنف قادمة لأن الإيمان بالفكرة يجعلك تلغى الآخرين.. (بالتكفير والتعالى القائم على أن الحق معنا وحدنا..) وتلغى حتى أفكار التسامح التى تنشأ فى فترات الاستضعاف وتظهر من الأعماق العدوانية سافرة.. دون حتى المكياج المتقن.
وهذا ما يفسّر النبرة العدوانية التى ظهرت بعد الثورة، وبالتحديد بعد قدرة الإخوان والسلفيين على الوصول إلى طاولة الصفقات مع العسكر.. ساعتها كانت صدمة مَن عرفهم من قبل أو مَن ساندهم.. كأنهم ولدوا من جديد.. أو كأن التسامح والرقة كانا غلافًا سقط مع استعدادهم للوثبة الكبيرة باتجاه القصر.. هنا نسى المعتدل اعتداله وانكشفت تصوراته للسياسة.. على أنها ساحة غزوات لا عملية بناء.. والحكم غنيمة لا إدارة مؤسسات البلاد.. وأن خطاب الكراهية للآخرين هو شريعتهم.. فهم المؤمنون.. وحدهم.. وباسم الإيمان يحكمون.. وبالتالى فى إطار المنافسة فإنهم يبدؤون بوعى ولا وعى فى البحث عن طريقة لإبعاد المنافسين بالتشكيك فى إيمانهم.. هذا بالطبع بعد أن يبعد قطاعات كاملة تنتمى إلى أقليات دينية.. فى إطار أنهم مجرد «أهل ذمة» أو «ضيوف» لهم حق الضيافة ليس أكثر.. وقبلهم النساء.. باعتبار أنهن ناقصات عقل ودين، ومكانهن الطبيعى البيت.. لتخلو الساحة للذكور المتصارعين على مَن ينتصر فى حرب العنف المقدس.
.. الإرهابى الكامن يخرج فى لحظة ما.. لأن أصل فكرته كراهية المجتمع، والتعبير عن الكراهية بوصفها بالكفر.. لم تحدث مراجعات فى هذه الكراهية.. لكنها حدثت فى توقيت التعبير عنها أو أسلوب التعبير عنها.. تعلّم الإسلامى وضع ماكياج التسامح.. ليخفى العنف الأصيل فى فكرة تقوم على أن تصورات شخص أو جماعة عن الدين.. (ما يمكن أن نسميه بالتديّن) هو الدين نفسه.. وأنه عندما يحكم هذا الشخص فإن هذا حكم الله.
الفكرة عنيفة من أساسها.. وتحاول أن تصنع أيديولوجية من العجز عن التواصل مع الأفكار الكبرى التى وصلت إليها الإنسانية كلها.. هذه أفكار تعبر عن الشعور بالهزيمة.. والهجرة إلى حضانات أو مزارع تربية القطعان التى يغذّونها على أنها «الطليعة المؤمنة».. العنف كامن فى هذه الحضانات ويخرج لحظة التمكّن.. حيث لا بد من الانتصار بإلغاء الآخرين أو بوضع قواعد جديد للسياسة تمنح السلطة للمنتصر فى سباق العنف المقدس بين الذكور المسلمين.
> مقال قديم أردت به أن أفتح قوسًا كبيرًا للتفكير فى ذلك الملثم الذى خرج من بيته، أو معسكره، أو حيث يقيم، ليرتكب جريمة ويراها تنفيذًا للفريضة الغائبة، تلك التنظيرة التى أكمل بها محمد عبد السلام فرج طريق سيد قطب، حيث لا يكتمل إيمانك إلا بالدم.