وائل عبد الفتاح
الفيديو الذى تم تسريبه من اجتماع القادة فى الجيش.. مهم لعدة أسباب:
1- وحتى لو كان مسربا من الشؤون المعنوية، لصالح الفريق السيسى.. فإن الفيديو يكشف عما يدور فى الغرف المغلقة ووسط مشاعر الاسترخاء والثقة وسط «مجموعتك المتجانسة».
2- وحتى لو كان صيدا من شبكة «رصد» ذات الميول الإخوانية.. فإن الفيديو يكشف عن العقل المغلق للإخوان ومن يفكر بمنهجهم الذى جعلهم لا يرون سوى ما يجعلهم يضعون وصف «فضيحة» للفيديو.. فى استدعاء لطرق رخيصة فى الترويج.. لا تكشف إلا عن براعة إعلامية فى الابتذال.. ولكن عن عدم فهم الحد الفاصل بين الابتذال والسياسة.
3- بعيدا عن روايات التسريب والمستفيد منه فإن نشر هذا الفيديو يعد خطوة فى كسر أبواب «الغرف المغلقة».. والاجتماعات السرية هدفها التفكير والتخطيط للسيطرة على الحكم.. لا سر فى مصر الآن، والغرف بلا أبواب، والكاميرات تصلك أينما كنت.. والتسريبات أقوى أحيانا من الحقائق.. هذه مرحلة انتقالية بين حكم الكهنة الواثقين فى سيطرتهم على أقفال الغرف الحاكمة.. وبين شفافية يجبر فيها الوعى على استيعاب متغيرات تضعف القدرة على الإخفاء والسرية والحكم بالكهنوت المعلق فى قصر بعيد خلف أسوار حديدية يسهم هذا الفيديو فى ترسيخ الوعى بأن الحديد أصبح زجاجا.
أهمية الفيديو، مع اختلاف روايات التسريب هى أساس ما يمكن قوله حول الموضوع المحورى: كيف ترسم المؤسسة العسكرية خطوطها الحمراء التى تشعرها بالأمان؟ وهنا يمكن ملاحظة:
1- أن الفريق السيسى والسيد عمر من القوات الجوية يتحركان من نفس المكان تقريبا: كيف نستوعب التغيرات الجديدة بعد 50 عاما من التمتع بالحماية «وهو الرقم الذى حدده السيد عمر ولا نعرف هل كان يقصد بداية من فترة عبد الحكيم عامر؟ أم أنه مجرد رقم عشوائى إلى مرحلة ما بعد 1952؟».
2- هما: قائد الجيش وضابط القوات الجوية ينطلقان من فكرة «الخطوط الحمراء» التى كانت تجعل الجيش آمنا وهما أيضا يستوعبان التغيير، يسميه الضابط انفلاتا، ويدركان أن لا شىء سيعود كما كان عليه.
3- وعندما يدرك ضابط عقليته عسكرية التغيير، فإنه لا يكون مثل السياسى أو المثقف أو الفرد العادى، وهدفه ينحسر فى كيفية السيطرة على التغيير أو استيعابه.. والفارق هنا بين الضابط وقائد الجيش هى إدراك أن «الدولة تفككت ويعاد تركيبها من جديد» كما قال السيسى.. فالضابط يريد عودة الحماية ورسم خطوط حمراء جديدة، وقائده ينشغل بإعادة تركيب الدولة. فارق فى إمكانات القرار وإدراك أنه لكى تحافظ المؤسسة العسكرية على مكانها لا بد من الانتباه إلى كل تفصيلة فى عملية «إعادة التركيب» بمعنى محدد: «كيف يمكن التعامل مع ما سيفرض علينا».
4- هنا يبدو أن هناك افتراقا بين عقليتين داخل المؤسسة العسكرية تنطلقان من نفس النقطة، أى من حماية المؤسسة العسكرية، لكن السيسى غادر قليلا العقلية المستقرة ليرى أن هذه مهمة صعبة لا تصلح معها الطرق القديمة.
5- السيطرة على الإعلام أو على 10 أو 20٪ منه مهمة يراها الضابط بشكل تبسيطى، ترغيبا وترهيبا، جلسات على انفراد، استقطاب مانشيتات، أهم من مليون بوستر، والسيسى رؤيته أبعد وتنشغل بتكوين أذرع داخل الدولة.
6- الهدف هنا هو إعادة ترميم «أسطورة الجيش» التى تهشمت عندما «انخرطنا فى السياسة»، كما قال الضابط مشيرا إلى مرحلة حكم المجلس العسكرى أيام طنطاوى.. ولكن بعد العودة إلى «الثكنات» كما قال الضابط أيضا.. كيف نسترد الأسطورة؟ أو الوضع المقدس داخل الدولة؟ أو كيف يواجه الجيش دولة لم تتأسس على أسطورته أو من وحيها؟
7- وهنا يمكن أن نرى عدة أهداف من عملية ترميم أسطورة الجيش، فى مقدمتها إعادة تركيب الدولة وفق هذه الأسطورة، وهو ما يتجاوز نقاشات وضع الجيش فى الدستور إلى تفاصيل تتعلق بتوسيع دور الجيش ليس فى الأمن فقط أو «محاربة الإرهاب» ولكن فى عمليات من نوع «دفع مصاريف المدارس» أو «ديون الأمهات الغارمات».. تكرس صورة البطل الشعبى فى قائد الجيش، وهى الصورة التى لن تتحملها الدولة ولن يتحملها السيسى نفسه.
8- البطل الشعبى لا يمكنه أن يؤسس دولة، لأن الدول الحديثة تقيمها مجتمعات قادرة بشكل ديمقراطى على إشراك الشعب لا رشوته، وتحديث المجتمع لا إعادة تربيته أو ترويضه.
9- البطل الشعبى ليس مهما فى بناء الدولة ولكنه مهم فى منتظرى توزيع الكعكة، ولهذا يحاول المشتاقون إلى الكرسى الحصول على بركة السيسى، وهو يتمتع بذكاء من داخل نفس العقلية تجعله يرسل رسالة محددة: المؤسسة العسكرية لن تدعم أحدا.. فهو يدرك أن العودة إلى السياسة ثمنها هذه المرة سيكون أكبر من رسم خطوط حمراء.
10- وغالبا فإن اهتمام السيسى ببناء «ذراع» للمؤسسة العسكرية تصطدم باستخدام قادة أقدم للأذرع القديمة «استعمال مبارك ونظامه».. «والأمثلة كثيرة.. وبعضهم يتعجب لماذا لا تتسع لنا المساحات رغم أننا نخدم بإخلاص.. وهم لا يعرفون أن العروق المنفوخة لم تعد تصلح.. وأن القيادة الجديدة تبحث عن ذراع جديدة..».
11- وغالبا فإن الحرب حول الجنرال أو من أجل بركته الآن يمكن أن تتحول بعد قليل إلى حرب عليه.