وائل عبد الفتاح
نعم قسوتكم قديمة؟
أنتم أيها الرجال الذين تريدون أن ندفع جميعا ثمن تفرغكم لدراسة كتب الدين.. وتريدون مقابلها سلطة؟ ولا تكتفون بالسلطة على المؤمنين.. تلك السلطة الروحية.. لكنكم تريدونها أشد وأشرس، تمنع وتحرم فى الحياة كلها.. تريدون سلطة لها بعد سياسى، يحرم ويمنع ليس من البركة ولكن من الحياة والسعادة.. تريدون أن تحكموا فى الأرض بما تتصورونه، أو تدعونه من أنه حكم السماء.
كم ضحية قتلت بسبب فتاوى شيوخ وقساوسة عبر تاريخ البشرية؟
وماذا فعلت البشرية لهؤلاء بعدما اكتشفت أن هذه الفتاوى/ الأحكام خاطئة/ فاسدة/ لا علاقة لها إلا بترسيخ سلطة تلك الفئة التى يسمون أنفسهم أو يسميهم المؤمنون بهم «رجال الدين..»؟
البشرية كلها أعادت هؤلاء إلى معابدهم إلا البلاد التى ما زالت مترددة على جسر الحضارة والإنسانية، وتضعهم فى مكان يمارسون فيه سلطة نشر الجحيم والتعاسة.
ماذا سيستفيد الأنبا أراميا مثلا إذا عاش آلاف البشر تعساء، لأنه أراد أن يعيش على قانون «الغالب مسيطر وله الأمر والنهى».. وهو القانون الذى دفع المسيحيون ثمنه غاليا، بل وهو القانون الذى إذا مد على استقامته فسيلتقى مع آخر متطرف يجلس على حافة الحضارة فى تورا بورا ويتصور أنه الأحق وحده بالحياة وبتحصيل «جزية» من المسيحيين أو غيرهم.. فهو الغالب المنتصر.
يمكن أن ينسى الأنبا أراميا لحظة خروجه من الدير أن هناك آلاف الأشخاص أو شخصا واحدا يرفض أن يمتثل لتعليمات الكهنة/ الشيوخ.. فمن أين أتى بكل هذه القسوة ليبتسم وهو يحيل حياته إلى عذاب؟
هذه قسوة قديمة عندما كان الدين يرتبط بالغزوات، والدول تتكون تحت رايات كل منها يحمل اسم الله؟
كان الغالب يفرض قوانينه، ويحول المغلوب إلى «إنسان درجة ثانية» وكل هذا باسم الله وبتوكيلات من السماء. كانت ممارسة سلطة الغالب باسم الدين... «الخارج عن هذه السلطة كان يعامل كأنه خارج عن الدين، كما أن الذى لا ينتمى إلى هذا الدين كان يخرج من رحمة السلطة وتميزه إما بإجباره على ارتداء ألوان ملابس محددة، وإما تركبه الحمار بالعكس وإما تدفعه الجزية».. المهم أن كل هذه الممارسات السلطوية تتخذ صفة الدين وإرضاء الله أو الرب.. «وهم هنا ليسوا أشرارا ولا قتلة بالفطرة.. إنهم صدقوا أن قسوتهم خير للبشرية.. لا فرق هنا بين كهنة الكنيسة فى القرون الوسطى وأمراء جماعات القتل باسم الإسلام..».
انتهت هذه المراحل لأنها صنعت كوارث دموية واختارت البشرية طريقا آخر تمنح فيه الحق لكل إنسان أن يؤمن بما يريد «حرية العقيدة»، لكنها ألغت فكرة أن من حق رجال الدين وحدهم تقرير مصير وحياة شخص، بمعنى أنها سحبت السلطات التى تجبر البشر بالقانون على الإيمان.
فماذا يعنى أن يعيش ٤٠ ألف أسرة مسيحية تعاسة، لأن البابا قرأ مقولة للمسيح بما يمنع الطلاق؟ هناك اجتهادات أخرى، وفى الدين دائما اجتهادات أخرى، هنا لا بد من فتح باب الاختيار لمن يريد أن يلتزم بتفسير البابا أن يلتزم ومن لا يريد الالتزام فلا مبرر لإفساد حياته.
كما ليس هناك مبرر أن يلتزم غير المؤمنين بأديان سماوية بالرجوع إلى شرائع الديانات السماوية فى الزواج لتكون حياتهم قانونية.
هذا خبل سلطة.. ليس إلا.
فالمسلم فى البلاد التى أغلبيتها مسيحيون ولو كان فردا واحدا لا يجبر على طريقة زواج من الديانات السائدة، سماوية أو أرضية.
الدولة كيان محايد ولا بد أن يظل محايدا على مسافة واحدة من كل إيمان كل فرد.
الدولة هنا مهمتها توفير الطريق لسعادة كل فرد، نعم كل فرد لا أفراد بسبب دينهم أو لونهم أو حساباتهم فى البنوك، ولا يجب أن تخضع الدولة هنا إلى تفسيرات أو تصورات أى جماعة عن نفسها وعن أحقيتها فى الحياة دون غيرها.
من أين تأتون بهذه القسوة وأنتم بكامل ابتساماتكم؟ وبمشاعركم الباهظة فى أنكم ترضون الله؟
من يسمح لكم بأن تحولوا حياتنا إلى جحيم، لأنكم تتصورون أن هذا طريقة الفردوس الأعلى؟
الإرهابى الذى يقتل يتصور أنه يرضى الله بالرصاصة، ورجل الدين الذى يستدعونه من مؤسسات يقولون إنها معتدلة يقتل أيضا لكن بفتوى.. هل صنعنا ثورة ليتبادل على قتلنا المتطرف والمعتدل، بالرصاصة وبالفتوى؟
هل نبنى دولة حديثة بالفتوى بعد أن كادت تسرق منا بالفتوى المضادة.. والفارق ليس كبيرا؟
لا دولة حديثة يقيمها رجال دين ولو معتدلون.
نقلًا عن "التحرير" المصرية