وائل عبد الفتاح
«موبايلات بأه».. هذه كانت لافتة مرفوعة بالقرب من قصر الاتحادية عندما كان محتلا من الإخوان. كتبها مصرى ابن نكتة بجوار صورة محمد مرسى. رسالة تعبر عن الخفة المواجهة لتراث ثقيل من كآبة تتسرب منذ لحظة ظهور حسن البنا فى 1927. رسالة وداع لنموذج الداعية القادم من الأرياف يستهدف بث مشاعر العار فى المدينة. محارب أو مخلص قادم ليخلص المدينة من آثامها وشرورها بالدخول فى الحداثة.. أو الخروج عن الموديل الافتراضى الذى تخيله الشيخ حسن للحياة فى القرن الخامس الميلادى. الموديل وشيخه يواجهان الحرب الكبرى، ثورة الخفة فى مواجهة الثقل التاريخى الذى أسس له حسن البنا المولود فى قرية مثلها الأعلى «المحمودية- بحيرة» هو الإمام محمد عبده. شيخ الأزهر المتمرد على موديلاته القديمة. والثائر الذى لا يفصل بين الاستقلال عن الاستعمار وإصلاح الدين. لكن البنا لم يصبح محمد عبده. ولا هتلر أو موسولينى كما قالوا عليه فى عز نجوميته. لكنه خليط من الإمام المجدد.. والزعيم النازى الذى يسيطر بالتنويم المغناطيسى على جماهير عمياء مكسورة الجناح. تشعر بضعفها وترى تحققها فى الذوبان تحت جناح الزعيم المهيمن. حسن البنا ابن ثقافة ريفية.. عاش صدمة الحياة فى الإسماعيلية مدينة إفرنجية.. على أرض مصرية. هناك كانت البيئة المناسبة لولادة تنظيم يبحث عن سند من 1400 سنة ليواجه الغرب المنتصر والمسيطر. كان تنظيم البحث عن مجد قديم.. زعيمه تربى فى مجال يمنح الواعظ الدينى رتبة اجتماعية.. أبوه كان مأذونا وساعاتى وخطيب مسجد القرية. والبداية كما هى عادة التنظيمات الفاشية من خلال إعادة تربية الإنسان ليبدو دخوله التنظيم ولادة جديدة. حسن البنا الشيخ الذى يرتدى بدلة مصنوعة بقماش مصرى وطربوش.. أنشأ جمعية سماها «منع المحرمات». اسم لا ينقصه الإغراء لجذب مراهقين يبحثون عن دور يشعرون به فى المجتمع. أعضاء الجمعية كانوا يرسلون بخطابات تهديد لمن يرتكب منكرا. التقى هذا مع الحس السياسى الساخن فى مظاهرات ثورة 1919 التى اشترك فيها حسن البنا وعمره لا يتجاوز 13 عاما. نما عند حسن البنا على ما يبدو حس المطاردة الأخلاقية والثورة السياسية فى إطار أوسع وهو البكاء على سقوط الخلافة الإسلامية فى تركيا. ليس غريبا هنا أن يظهر تنظيم الإخوان المسلمين من بيت حسن البنا فى الإسماعيلية فى نفس التوقيت الذى كان الملك فؤاد يبحث عن طريقة يحقق بها حلمه ليكون خليفة للمسلمين. البنا كان كاريزما دينية مؤثرة، جمهوره من عمال المعسكرات فى منطقة القنال، هؤلاء هم نواة أول تنظيم سياسى فى مصر يدعو إلى العودة إلى الإسلام. لم يحلم بمنصب خليفة المسلمين. لكنه منح القوة لفكرة البحث عن خليفة مصرى. حسن البنا محترف فى فكرة تنظيمات التربية الرشيدة. وهو هنا يشبه كل التنظيمات الفاشية التى تقوم على فكرة الولاء.. والسمع والطاعة. أفكارها كلها عن الخير المطلق.. والشر المطلق. تقسم العالم إلى فريقين: مؤمنين وكفار. تنظيمات لا تعترف بالحرية الشخصية ولا بثقافة أن الفرد هو صانع التاريخ. وهو موديل من التنظيمات عرفه العالم كله فى لحظة من لحظات تطوره. كان الجنرال يخطب فى شعبه من الشرفات. ينظر إليه من أعلى.. بينما كان الشيخ بجوارهم فى الجامع لحظة الصلاة والمساواة بين الجميع. هزيمة الجنرال انتصار للشيخ. وهما متشابهان فى طلب السمع والطاعة. الجنرال يطلبها فى الشارع. والشيخ فى المسجد. والهزيمة أخرجت الشيخ ليكون امتدادا للجامع. استمرار حسن البنا هو ابن هزيمة الدولة الحديثة التى نافق فيها كل الجنرالات الحس الدينى للشعب. يقولون إن شعب مصر متدين كأنه الوحيد بين شعوب الأرض. أو كأن ذلك يعنى معاملة خاصة تختلط فيها محبة الله ببناء الدولة. وساعتها سيظهر شعار مثل أن الإسلام هو الحل. وهو شعار يشبه الدعايات التليفزيونية السخيفة التى تلغى كل مميزات المنافس. بل تلغى المنافسة من أساسها. لعب حسن البنا السياسة بمنطق تحريك السلطة بالريموت كنترول. الانقلاب من أسفل. نجحت إلى حد ما مع الملك فاروق الذى ورث عن أبيه الغرام بمنصب الخليفة. أهدافه كلها تحريك رأس السلطة لتنفيذ تعليمات التنظيم وتصوراته عن الحياة فى مصر المحروسة دون أن يشعر. وعلى أنها تعليمات الله. هم وكلاء الله. يتصورون أن العداء مع الإنجليز ليس صراعا بين مصالح وحرب بين قوتين. بل هى محاولة لهدم عقيدة الإسلام.. ورغبة من الكفار لإبعاد المسلمين عن دينهم. كان حسن البنا مسنودا من طلائع برجوازية ريفية «شرائح نالت بعض التعليم أعلى من المتوسط.. وتوقفت» تبحث عن دور وتريد الذوبان فى الجماعة. هؤلاء يشبهون أتباع هتلر. الذين كانت مشاعرهم تهتاج لحظة خطابه. تبكى النساء فى البيوت، ويشعر الرجل أنه توحد مع الزعيم الملهم الذى وجه اللعنات إلى عدو اختاره بعناية.. ويبحث عن طريقة لتفريغ اللعنات. السحر هنا لفكرة أنهم «صحابة العصر الحديث»، أو «الطليعة المؤمنة»، وتتم تربيتهم فى حضانات يشربون فيها أنهم «كريمة الكريمة» فى البلد.. وأنهم خلاصة المؤمنين.. ومثل كل تنظيم يبنى على فكرة الطليعة لا مانع من قتل أو قهر ملايين لتسيطر تلك الطليعة المؤمنة «وهنا تلتقى طليعة هذا التنظيم الإسلامى مع أعتى أحزاب الشيوعية.. كلهم يقتلون من أجل أن تحكم الطليعة..». خرجت الطليعة من الحضانات.. لتواجه خريفها الذى لن يمر خفيفا مثل رسالة الوداع لمحمد مرسى.
نقلًا عن "التحرير" المصرية