وائل عبد الفتاح
جمعية رقم ٦٤٤.
نعم هى نفسها جماعة الإخوان المسلمين.. لكنها فى وضع التخفى.
لا فرق إلا فى القدرة على تستيف الأوراق وقبولها فى السر، فالوزيرة خاتم فى إصبعهم والدفاتر أصبحت دفاترهم والقانون لعبة فى أيديهم.
القانون خُلق لتلعب به السلطة وتقنن بها أوضاعها غير الشرعية، وهذا ما تعلمته الجماعة أو الجمعية التى تحكم من كهفها الغامض وعبر مندوبها المقيم فى القصر.
لم تتعلم الجمعية شيئا من عامين كاملين خاضت فيهما الثورة حروبا يومية لتحرر المجتمع من عصابات التسلط والوصاية.. بركاكتها المفرطة.
الجماعة تنافس كل العصابات السابقة عليها فى الركاكة.. وهنا يبدو اتساق وضع الجماعة القديم مع الجديد.. كلاهما ركيك.. فالجماعة فى وضعها السرى لم تكن سوى موروثات زمن التنظيمات الفاشية العابرة للقوميات.. من أجل أممية تسعى للخلافة.
فكرة منقرضة ستنتهى إلى حزب سياسى متواضع المستوى يعيش المؤمنون به حالة نفسية جماعية تعبر عن صدمة الخروج من حضانات العالم الافتراضى.
الجماعة لا تصلح لما قامت به الملالى فى إيران مثلا.. فهم لم يشاركوا الثورة فى هدم النظام القديم.. لكنهم وفى عز الأيام الأولى ذهبوا ليكونوا سند المومياء فى لحظة سقوطها.. وتفاوضوا على مساحتهم مع عمر سليمان «شاحن المومياوات».. ثم عندما قرر مبارك التراجع عن التنحى قبل رحيله دعا أشاوس الإخوان الجميع إلى مغادرة الميدان فى ليلة خطاب الإحباط «قبل رحيل مبارك بساعات».
الجماعة كانت تسعى إلى التحالف مع النظام القديم لتتسرب من خلاله.. ولم تستطع إقامة حلف سياسى مع قوى الثورة، واختارت من البداية التحالف مع القوى الراغبة فى إجهاض الثورة وتوقيفها «العسكر.. ثم الشرطة.. ليكتمل التحالف بأثرياء مختارين من بقايا عصابة مبارك».
وهنا بدت الجمعية/ الجماعة فى طريقها إلى حكم مصر تفقد شخصيتها، أو قدرتها على تغيير المجتمع ليكون على هواها أو متوافقا مع هويتها فى تدمير الدولة الحديثة.
اختارت الجماعة تغيير المجتمع من أعلى، من موقع السلطة، وتصورت أن «الشعب على دين حاكمه» كما كان قبل ٢٥ يناير.
اختارت الجماعة السلطوية فى لحظة الثورة عليها.. والوصاية فى زمن رفضها.. ولم يعد أمامها إلا القمع بالصناديق «مزورة أو حقيقية.. تجارة أم شطارة.. شعبية أم لعب على وديعة مبارك من التخلف والجهل.. لا فرق»، لكنها فشلت أيضا فى قمع الصناديق ولم يعد أمامها إلا تحويل جهاز الشرطة إلى «ماكينة قمع» خاصة، وهذا سيلزمها بشروط أقلها التخلى عن أمميتها.. وبقاؤها فى حيز حزب سياسى يريد الحكم بأساليب منقرضة.. وملعونة.
الجماعة أو الجمعية «٦٤٤» مدفوعة دفعا إلى الركاكة.. والمزيد منها فى مواجهة روح ما زالت تتجول فى الشوارع رغم صفارات الإسعاف وإيقاع الجنازات الرتيب واللهاث من الأقسام إلى المشرحة.
تلك الروح تضع المصريين فى حالة تأهب يقظة.. وتضيف جديدا كل يوم إلى القوة الحية.. وتكشف ما كان خافيا من لعنة دولة الفقهاء .. نعم أوقفت هذه القوة هيمنة الجماعة التى قالت إنها ستعيد الإسلام إلى مصر.. وبشرت بأنها ستنشر أستاذيتها للعالم.. الجمعية أو الجماعة تحولت بفعل هذه القوة الحية إلى مجموعة من الكهنة يستفون أوراقهم لكى لا يدهسهم قانون فى أيديهم.
إنه المصير التعس لجماعة احتاجت إلى ألاعيب محامين تحت السلم.. لتحصل على رخصتها.
نقلاً عن جريدة "التحرير"