وائل عبد الفتاح
حتى لا يصدقوا أوهامهم..
لا معنى لما يسمى «إسقاط الداخلية».. لأن الداخلية ليست كيانا منفصلا عن الدولة أو عن دورها فى إطار «السلطة المدنية».
وللتذكرة المهمة.. الشرطة ليست مؤسسة عسكرية، ولا حتى شبه عسكرية، إنها جهاز مدنى مهمته حماية المجتمع وعسكرته تمت فى سنوات ما بعد الانتصار على الجماعات الإرهابية.. ووقتها كان الحل أمام مبارك أن يحول الشرطة إلى «جيش» خاص، يحمى نظامه الذى تحول مع طول سنواته إلى «مافيا».
التحولات تمت على فترات، كان خلالها الطابع العسكرى يتضخم ومعه الميزانية (لتتفوق فى ما بعد التسعينيات على ميزانية الجيش)، وطبيعة الملتحقين بجهاز الشرطة، حيث أصبح هناك مصفاة اجتماعية، تتحدد بالقدرة على دفع الرشوة، أو بالرغبة فى تأكيد مكان فى شبكة السلطة الجديدة، أو حجز مكان فى مصاعد الطبقات العليا.
ضابط الشرطة لم يعد ذلك الشخص المتميز بدنيا والقادر ذهنيا على فكرة الحماية والأمن، لكنه الطامح إلى تتويج قدراته بهيبة «الباشوية» التى تعنى أنهم طبقة وحدهم، مميزة اجتماعيا وسياسيا وشخصيا، وهذا ما يجعلهم فعلا يشعرون أنهم «أسياد البلد»، بحكم أنهم تحولوا مع تغير دور الشرطة.. موقعهم فى المجتمع إلى «طبقة» من طبقات المافيا الحاكمة، دورها الحماية من المجتمع، أو من طبقاته المتمردة «الطبقة الوسطى» أو الغاضبة «الفقراء…».
وهنا فإن الدخول فى «الطبقة».. يعنى الدخول إلى وعى كامل، يندرج تحته «الضابط الصالح» و«الضابط الفاسد».. «المتوحش» و«الطيب».. كلهم يتصورون أن حمايتهم للمافيا الحاكمة هى حماية للبلد.. وأن المواطن المثالى له شكل.. وأن هيبة الشرطة هى هيبتهم الشخصية.. وأن الشرطة «بيت» مغلق على أصحابه.
وهذا هو الوعى الزائف الذى تستطيع به دائرة القيادات أن تتحكم به فى العناصر «الطيبة».. أو «النبيلة».. فيبدو أن الجميع يتحول عندما دخل فى مجال «الجهاز».. سواء كان بارتداء البدلة.. أو بالتورط فى الدفاع عن الشرطة كأنها مؤسسة خارج/ أو فوق المجتمع، بما أنها تكفل له الحماية.
الشرطة هنا لا تمنع الجريمة، لكنها تدير عالمها، أو تتحكم فيه، والضابط لا يتعلم مهاراته المهنية فى البحث الجنائى، أو علوم مكافحة الجريمة، لكنه يتعلم منذ اللحظة الأولى أن يكون «وحشا ضاريا لكى يعمل لا بد أن يكسر إرادة باقى الوحوش».. وهذا مفهوم آخر غير الشرطة بمفهومها الحديث.. مفهوم ينتمى إلى عصور بدائية «أقربها فكرة الفتوة..»، لكن الضابط هنا أرقى من الفتوة فى وعيه بارتباط مصالحه بطبقة اجتماعية كاملة، لن يظل يعمل فى خدمتها، لكنه شريكها، وأحيانا «سيدها».
وهنا فإن تعبير مثل «إسقاط الداخلية».. تعبير يستخدم للخداع السياسى والاجتماعى، لأنه يتصور أن الصراع الدائر فى الشارع الآن بين الثورة (بمعناها الواسع وحالتها السائلة) والتحالف القائم تحت اتفاق وقفها أو حصارها.. فالثورة لا تريد إسقاط الداخلية لكنها تريد إسقاط الدولة.. التى تجعل «الداخلية» بهذا الوضع السلطوى القبيح.. ويحولها إلى ميليشيا مرتزقة تدافع عن «المافيا الحاكمة».. باعتبارها جزءا منها.. أو شبكة عضوية لا يصلح لأى مافيا قادمة أن تستمر دونها.
لا يمكن لمافيا الإخوان المتحفزة للحكم أو للسيطرة أن تعمل دون شرطة من هذا النوع أو دولة من هذا النوع المافيوزى.
وخيال الإخوان ليس لديه إلا الإحلال.. والاحتلال.. بمعنى أن كل شخص كان يلعب دورا فى نظام مبارك له الآن شخصية احتياطية.. سيلعب نفس الدور والمهمة.. فالوزير الحالى للداخلية هو حبيب العادلى.. أو من ارتضى أن يلعب دوره.. كما أن فى كل موقع شخصية تبحث عن لحظة تمكنها من أدوات مفاتيح نظام/ مافيا مبارك (أحمد عز وصفوت الشريف وزكريا عزمى.. وفتحى سرور).
المطلوب إذن إسقاط دولة المافيا التى تجعل الداخلية مجرد ميليشيات..
والمافيا من الأساس هى التى امتصت الدولة (بمعناها الحديث).. وأسقطتها.
هذا للعلم والإحاطة حتى لا نستمر فى سماع خطابات الترويع اليومية التى تروج كلها لقبول المصريين بمبدأ «الأمن مقابل الكرامة».
نقلاً عن جريدة "التحرير"