وائل عبد الفتاح
الموضوع أكبر من الإخوان.
لا أقصد أنهم أصغر من الحكم.. لأنه من العادى أن يرتبك أى تنظيم سياسى فى حكم دولة بعد سقوط نظام مستبد.
لكن ما أقصده أنهم أصغر من التحول الذى انتقلت فيه الجماعة من مرحلة الاستضعاف إلى السلطة.
فى الاستضعاف اكتسب الإخوان معارك حافظت على وجودهم فى ظل استهداف السلطة أو شعورها تجاههم بالعداوة أو بالمنافسة.
وهنا علت مهارات المحافظة على التنظيم، ومعها علا الوزن السياسى لمن يمتلك هذه المهارات ويبرع فيها، خصوصا أولئك الذين يميلون إلى فكرة التنظيم الحديدى المغلق.. ومن هنا سر تمكن خيرت الشاطر من الجماعة رغم افتقاره إلى مهارات أو مزايا سوى القدرة على نسج شبكة تحزم التنظيم والذاكرة التى تجعله يتذكر كل عضو قابله ولو كان صغيرا.
هذه القدرات تفضحها الآن الساحة الواسعة، فلم يعد يصلح ما كان يحمى الجماعة تحت الأرض ليقود الجماعة فى لحظة الوصول إلى السلطة.
لا يمتلك الشاطر قدرات الانتقال، ولا إمكانيات أكبر من تربيطات الاستضعاف الشهيرة أو القدرة على عقد صفقات مع نظام مستبد، وقتها كان أى نجاح فى التسرب من الأسوار الحديدية للنظام، مكسبا كبيرا، لكن الآن وبعد أن تحطم السور الحديدى فليس لدى الشاطر ما يجعله يملأ الفراغ الكبير الذى حولوه إلى متاهة ذاتية لهم.
وبالنسبة إلىّ فإن تلخيص الفشل فى التحول من الاستضعاف إلى السلطة تلخصه عملية الماكياج التى خضع لها الشاطر ليلتقط صورة ترشحه لانتخابات الرئاسة.. لم يصلح النيولوك ما أفسدته الجهامة.. كما لم تفلح عملية انتقال شطارة الشاطر من الغرف السرية إلى النور.. هنا بدا للجميع أنه أمير فى حرب البقالة لكنه ليس أكثر من ذلك.. يمكنه أن يدمر السوق من أجل الحصول على توكيلات.. لكنه لا يستطيع أن يبنى سوقا أو يجعل جماعته تبنى خارج حدودها الضيقة جدا.
وهذا ما يمكن أن نرى من خلاله فشل الاتفاق بين الشرطة والمرسى.. تصور الشاطر أنه سيربح بالاتفاق معركة الحماية.. لكنه اتفاق يعتمد على إلغاء ما حدث منذ ٢٥ يناير.
الاتفاق فضح الجماعة وكشف أنها تريد أن تبنى سلطتها على تحالف يعيد بناء المافيا.
ولأننا لا نعرف بالضبط اللحظة التى تتحول فيها الدولة بالكامل إلى مافيا. فى إيطاليا (موطن المافيا الأم وشاهدة تحولها من مقاومة احتلال إلى عصابة) يمكن أن تدرك لحظة الاتساع التى تجعل المافيا فى التسعينيات تمسك مفاصل الدولة بما فيها الواجهات ومفاتيح الحكم. لكن مصر الدولة التى يعبد -أو يكاد- سكانها الدولة، المعجزة الكبرى، والهرم الافتراضى الذى يعيشون فى حمايته وينامون فى نعيم هندسته الاجتماعية.
التحول فى المافيا المصرية لا يكون من خارج الهرم.. أو مثل إيطاليا عندما تحتل مجموعات المافيا جهاز الدولة بالقطعة.. فى مصر التحول تدريجى، وعلامته الكبرى فى أجهزة الأمن.. حين تتحول الدولة بالكامل إلى إدارة مصالح مجموعة ضيقة، لا يعرف سوى أصحابها اتجاهات مصلحتها، والمسافة تتلاشى ليحكم جهاز الأمن ويتحول مع الزمن إلى جهاز إدارة المصالح.. بينما تتم الحماية عبر طبقات أو مستويات من أجهزة أمنية غير رسمية، ستسمى إعلاميا عصابات، ويطلق على قادتها اسم البلطجية، وهم فى الحقيقة جزء من اللعبة، يقومون بما لا يستطيع جهاز الأمن القيام به، إنهم اللاعب السرى، أو الجزء البعيد عن الأضواء من جسم الأمن الذى يحمى المافيا التى هى الدولة بعد قليل جدا.
الإخوان أرادوا الحكم بنفس الطريقة وتصوروا أنهم قادرون على إقامة تحالف بين مافيا (مبارك.. أو بقاياه) المهزومة ومافيا تعفنت فى حضانات التربية الرشيدة (مافيا تحلقت حول الشاطر وخاض بها معاركه الصغيرة وتصور أنه سيوزع مفاصل الدولة غنيمة لها).. المافيا المهزومة خرجت لتستدعى سلاحها من العصابات السرية.. لكنها تواجه أيضا برغبة من خريجى الحضانات الإخوانية فى الحكم.. كلاهما بائس.. لكنهما فى استعراضات مشتركة يحاولون فيها إعادة الناس إلى أحضان الخوف القديم.. لتتشكل مافيا جديدة، شرطها الأول التخلص من «الشعب» الجديد الذى لا يحب الاستقرار على أنغام المافيا.
نقلاً عن جريدة "التحرير"