وائل عبد الفتاح
تنتهى الآن المرحلة الثانية من فشل الإخوان فى احتلال الدولة القديمة..
هذا ما تقوله الحداث.. وأبرزها فشل المرسى فى ترويض جهاز الشرطة.
ما بين المرسى والشرطة اتفاقية حماية مشتركة من الثورة.. كلاهما تصور أن مجرد الاتفاق سيحسم الأمر وستعود الثورة إلى البيت مبكرا.
وهذا سر العنف الذى أخرج نار الانتقام من الشرطة وأشعر المرسى حبيس قصره بالأمان فهناك من يقتل ويعذب ويسجن لحمايته.
لكن الفواتير كانت باهظة الثمن على الطرفين.
المرسى لن يقدر طويلا على تحمل جرائم تتم باسم حمايته وبمسؤولية سياسية وشخصية لن يستطع إنكارها.. أو الهروب منها وستطارده كلعنة أبدية.
والشرطة لن تتحمل فواتير استقرار المرسى على مقعده دون أن تحميها أجهزة الدولة بالكامل.. أو دون أن تصبح هى الدولة.. كما كانت فى النصف الأخير من حكم مبارك.
وهذه هى لعنة الاتفاق المشترك بين المرسى وجهاز الإجرام فى الشرطة.. لأن المرسى استدعى جهازا لا يحقق الأمن إلا بتوافر علاقة مختلفة بين الشعب واللا دولة قائمة على قبول الشعب بقهر الدولة.
ولأن الشعب تغير فإن الباقى من الشرطة فقط: إجرامها.
أما المرسى فسيواجه بقطاعات تقاومه بمنطق المهنة.. حيث تنتشر فكرة «لن ندفع فواتير أحد بعد الآن» بين ضباط الشرطة الذين واجهوا أزمات اجتماعية ووجودية منذ هروبهم الكبير ليلة ٢٨ يناير ٢٠١١.. وهم الآن فى مفترق طرق جديد، تتسرب منه غريزة الدفاع عن المهنة، كأمل أخير فى مواجهة ضغوط الجماعة ومندوبها فى الرئاسة لتعود الشرطة جهاز قمع كاملا.
هذا الصراع حول «المهنة» غالبا هو سر إزاحة أحمد جمال الدين من منصب وزير الداخلية، فهو كان أول تعبير عن وعى الدفاع عن المهنة.. رغم أنه لم يكن بعيدا عن دائرة حبيب العادلى وزير داخلية مبارك، بل إنه متهم بالمشاركة فى قتل الثوار خلال موقعة محمد محمود الأولى.
الوزير المقال أراد تحت الضغط تعاملا مهنيا مختلفا، فطلب أن تصدر الأوامر كتابية، واختار الحياد بين السلطة والمتظاهرين، وكان قتل «جيكا» فى محمد محمود الثانية، نقطة فاصلة فى الوعى أثرت على الوزير ودفعته إلى خيار «البيروقراطية» لا «الالتحام الكامل مع السلطة» بدت الشرطة فى أحداث «الاتحادية» متفرجة أو «عنصر الحياد البارد» الذى يتعامل على أن الرئاسة طرف فى الصراع.
بعد تصعيد محمد إبراهيم أصبح أمام الشرطة اختيار آخر هو تفريغ طاقة الانتقام من أجل أن تعود «الهيبة» القديمة، لكن هذا ينتهى إلى مزيد من الجرائم والدم والثارات التى تنذر الجميع فى جهاز الشرطة بانتقام شعبى لن يُستثنى منه أحد.. هذا الشعور بالخوف من الانتقام يتصاعد يوميا مع استمرار العجز فى مواجهة الثوار ومع إدراك أن المرسى نفسه على قلق.
هنا عادت نغمة «الابتعاد عن السياسة» و«عدم دفع الفواتير.. ».. لتكون عنوان التمرد على اتفاق الحماية من الثورة بين المرسى وقادة جهاز الإجرام داخل الشرطة.
وهنا فإنه ليس صدفة التزامن بين رغبة انسحاب الشرطة من بورسعيد والعصيان والتمرد المطالبة بابتعاد الشرطة عن السياسة، بل إنها محاولة التملص من الاتفاق أو إعلان عن العجز فى مواصلة استعادة الشرطة مواقعها دون ضمانات من السلطة السياسية بحمايتها أو القدرة على حمايتها.. بمعنى آخر كيف يمكن أن نرتكب جرائمنا من أجلك وأنت لم تنجح بعد فى بناء محيط سياسى آمن لنا.. ولك أنت أساسا.
التمرد هنا هو نتيجة العجز والخوف لا الإرادة فى التغيير.. فلقد عادت السلطة إلى استسهال الحل الأمنى بعد عجزها عن تقديم حل سياسى.. لكنها لم تستطع منح الشرطة شراكة فى الحكم (فهناك حزب سياسى هو الجماعة يريد ويشتهى الحكم).. ولا ضمانات بأن المجتمع سيعود إلى مواقعه (فالشارع لم يعد خاضعا لسيطرة القبض أو لهندسة القمع القديمة) كما أن التكنولوجيا وحدها لا تكفى، فالجهاز الأمنى متهالك ويثير الرثاء من فرط ركاكته وضعفه المهنى وتتحكم فيه دائرة صغيرة من قيادات تستشرس من أجل استمرارها ولو على حساب قوة الجهاز أو فاعليته فى أداء مهمته.
ويحتاج ما بين المرسى والشرطة إلى مزيد من التأمل.
نقلاً عن جريدة "التحرير"