وائل عبد الفتاح
«الهجوم على العدالة» عنوان التقرير السنوى لمركز استقلال القضاء والمحاماة.
تتخيل للوهلة الأولى أن تقرأ تقريرا معتادا، وأنك قد سقطت فى فجوة زمنية لمدة عامين، هل ما زلنا نتحدث عن هجوم على العدالة بعد الثورة؟
وبعد وصول تيار الاستقلال الشهير إلى مراكز متقدمة فى السلطة؟ الثورة فعلا تتحول هنا إلى فجوة زمنية، لأن ما حدث فى عام واحد وضد مؤسسات العدالة يستهدف الأركان التى كانت صامدة فى وجه اجتياحات مبارك، كأن ما حدث ليس إلا استكمالا لهذا الاجتياح أو أنه استبدال احتلال باحتلال. كل هذا حدث بمشاركة من تيار الاستقلال.. تذكر هذا وأنت تقرأ ملاحظات التقرير:
أولا: إن الهجوم الذى تعرض له القضاء فى مصر عام 2012 يعد الأخطر منذ ستين عاما، والأكثر تأثيرا على سير العدالة فى مصر، وقد أدى إلى انهيار دولة القانون بشكل يصعب تداركه فى تلك المرحلة.
ثانيا: على الرغم من المطالب الثورية، وقبلها المطالب الحقوقية، بضرورة الإصلاح المؤسسى فى إطار ضمان والتزام كامل باستقلال السلطة القضائية، سيما فى هذه المرحلة الانتقالية، فإن الإصلاح المؤسسى للقضاء، اتخذ منحى يغلب عليه الإخلال بضمانات استقلال القضاء. ويهدف إلى محاولة السيطرة على المؤسسة القضائية وليس إصلاحها.
ثالثا: جاءت الممارسات بحق السلطة القضائية، انتقامية أو على أقل التقديرات انتقائية، تخلو من أى منهج من مناهج الإصلاح المؤسسى، ومست مساسا جسيما بثوابت ما كان يجوز انتهاكها أو الإخلال بها، وجاءت مظاهر الإخلال باستقلال السلطة القضائية، فى إطار هجوم منظم على العدالة فى مصر.
رابعا: اتساع نطاق التهديات التى تعرض لها مرفق العدالة فى مصر، وعدم اتخاذ السلطات المعنية الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية المحاكم ودور العدل.
خامسا: تعرض القضاة لتهديد حقهم فى الحياة والسلامة الجسدية والحيلولة بينهم وبين أدائهم لمهام مهنتهم.
سادسا: تواتر الإخلال بمبدأ حصانة القضاة وعدم قابليتهم للعزل، والإخلال بضماناتهم ذات الصلة بالبقاء فى مناصبهم.
سابعا: اتساع نطاق الحالات التى تمثل إخلالا وتدخلا غير لائق فى الأمور ليس فقط ذات الصلة بالشأن القضائى، ولكن كذلك ذات الصلة بسير التحقيقات والمحاكمات.
ثامنا: تجلت العديد من مظاهر الانتهاك والإخلال باستقلال السلطة القضائية، سواء من خلال التشريع أو من خلال السلطة التنفيذية، ومن ذلك:
١- محاولات أعضاء بالبرلمان العصف بوجود ودور المحكمة الدستورية العليا والإخلال باستقلالها وتقليص اختصاصاتها فى الرقابة اللاحقة على دستورية التشريعات.
٢- التفاف السلطة التنفيذية على الالتزام باحترام تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العليا.
٣- المحاولات المستمرة من السلطة التنفيذية تجاه سلب القضاء اختصاصاته وغلّ يده عن نظر دعاوى بعينها.
4- إقصاء القضاء وسلب دوره فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وتحصينها من الرقابة القضائية.
5- الإخلال باستقلال النيابة العامة والتدخل فى شؤونها، وكذلك حصار نيابات بهدف التأثير على سير التحقيقات.
٦- التدخلات غير اللائقة من السلطة التنفيذية فى سير التحقيقات ومحاولات انتهاك واستقلال وحياد النيابة العامة.
٧- الملاحقات الإدارية للقضاة بسب أدائهم مهام مهنتهم.
٨- ظهور حالات حصار المحاكم وتهديد قضاتها والحيلولة بينهم وبين أدائهم مهام مهنتهم.
٩- ظهور حالات اعتداءات من مواطنين وخارجين عن القانون على المحاكم والنيابات.
١٠- استمرار إحالة المواطنين المدنيين إلى القضاء العسكرى.
هذه مجرد ملاحظات بلا تفاصيل.. وتشير إلى هجوم لم يحدث منذ ستين عاما عمر ديكتاتورية ما بعد الاستعمار الأجنبى.. وتشير أيضا إلى أن تيار الاستقلال تحول إلى لعنة على القضاء والثورة معا.. أقول لعنة وأنا أحد الذين تعلموا معنى استقلال القضاء أولا من زميلى وصديقى ناصر أمين أحد كبار المؤمنين بالفكرة، وثانيا من مجموعات وقفت ضد سلطة مبارك فى ٢٠٠٦ وتضامن معهم المجتمع المدنى كله.. ولم يعرف المتضامن معهم وقتها أنه كان مجرد «تسلط» ضد «تسلط» منافس.. أو أنه كان دفاعا عن هيبة لا عن حرية.. عن سلطة للقاضى لا عن تحرر القضاء من السلطة. وكم من الأفكار التى بدت نبيلة فى ظاهرها اكتشفت البشرية أنها لعنة كبرى.. والمهم هنا أننا اكتشفنا.. ليس هذا فقط.. بل وعرفنا من هم أعداء الحرية.. ومن يقتل الأحرار باسم الحرية.
نقلاً عن جريدة "التحرير"