وائل عبد الفتاح
المسافة بين النظام والمافيا تتلاشى فى نموذج الاستبداد المصرى..
وهذا ما يفسِّر احتياج الجماعة إلى خيرت الشاطر بعد التحوّل من «دولة الجنرال» إلى «دولة المرشد».. ولم يعد دور الرجل الغامض يمكن أن يلعبه مدير مخابرات أو أحد تابع لأجهزة الدولة..
عمر سليمان رحل فى أمريكا بمرض نادر أو «بمؤامرة إقليمية على رجال مخابرات هذه المنطقة من العالم..».. بينما كان خيرت الشاطر يتجوّل متباهيًا بافتتاح سلسلة سوبر ماركت جديدة.
كلاهما عبوس.. متجهّم كمن يحمل همًّا تراجيديًّا أو مهمة كونية.. أو تنحشر داخله مشاعر محبوسة تحت ثقل المسؤولية.
عمر سليمان مات بينما ما زال هناك مَن كان ينتظره، وخيرت الشاطر يتجوّل فى متاجره بينما تنتظره جماعة كاملة.
كلاهما أكبر من حجمه وإمكاناته.
عمر سليمان لم يعرف بكل خبراته أن يلعب دور بوتين فى روسيا، المقاتل الماكر الذى حافظ على بناء دولته الأمنية بعد سقوط الشيوعية التى بنتها.
بوتين مدير مخابرات قدّم موديلا للانتقال.. استوعب وضع روسيا.. وهندس إقامته الطويلة بمراعاة طبيعة شعب خارج من قهر أباطرة الشيوعية.
لكن عمر سليمان فاقد هذه الملكات أو المواهب أو القدرات خارج حدود مهماته.. يشبه رئيسه.. وعصره.. خرج بوجه كئيب، بينما كانت الثورة ضاحكة وخفيفة ومبهجة.. فخسر صورته التى صنعت سنوات طويلة وبدت محدوديته واضحة بعد خروجه من الغرف المغلقة.
وهذا ما سيحدث مع خيرت الشاطر الذى عاش طويلًا فى تقوية تنظيم تحت الأرض بكل حيل التجار الذين يستعيدون ثرواتهم بقوة شخصياتهم، لكن هذا ليس دليلًا على عبقريتهم الاقتصادية.
الأخلاق هنا لا يمكن أن تكون ساترًا من جديد، ليعود عمر سليمان أو جثته إلى الغرف المغلقة تتحدث عن عظمة لم نرَ منها شيئًا.
ولا يمكن للأفكار المتعلّقة بمشروع نهضة الإخوان أن تمنعنا من التفكير فى عقل الإخوان الذى يظهر كل يوم أن لا شىء لديه أكثر من استبدال برئيس كان يخطب فى المولد النبوى رئيس يخطب فى أول رمضان.. وبسوبرماركت تملكه النخبة المحيطة بمبارك سوبر ماركت يملكه شطار الجماعة.
عمر سليمان هو أحد أسباب عجز الشعوب ونتاج هذه العقلية العاجزة.
كما أن خيرت الشاطر هو قناص شعوب تستهلك ولا تنتج.. وأفكاره لا تتعلق سوى بتغيير وجهة الاستهلاك.
نحن أمام معركة رمزية بين.. نجم واقعية مبارك فى مواجهة واقعية ما بعد مبارك.. هذه هى القصة بينما الثورة فى مكان آخر تتجوّل فى الشوارع وبين قوى جديدة، لتبنى شبكتها المعتمدة على خيال جديد.. وأحلام جديدة.
عمر والشاطر هما تلخيص معركة تتم بقوانين مبارك وعقليته وواقعيته البغيضة، الباردة، المملة.
الثورة هى خيال خارج واقعية المتاجر الكبرى للسياسة: النظام والإخوان، فهما متنافسان قديمان، كما كان التوحيد والنور هو منافس سيتى ستار.. وزاد الآن بديل مترو.
إنها حرب على البقالة.
.. وما زالت الإجابة / السؤال.. خيرت الشاطر تستحق المزيد من التأمل..؟
كيف نقل الشاطر أمن الجماعة قبل الثورة وبعدها من مرحلة العمل السرى إلى المؤسسات السرية بواجهات معلنة؟
.. ستظل الأسئلة مفتوحة.
خصوصًا بعد أن تحوَّلت تصفية القيادات الوسيطة من الثور ضد الإخوان إلى «جريمة منظَّمة».
وبعدما هبط الإخوانى من مدرعة الأمن المركزى.. وبعدما هدَّد خيرت الشاطر أو هدَّدوا أن هناك آلافًا رهن الإشارة.. ليتحركوا لحماية المرسى.
هل لدى الشاطر ميليشيات؟
أم أنه مثل عمر سليمان يدير كائنًا نصف وجوده أسطورى.. ولا يستطيع أن يحمى أحدًا..؟
نقلاً عن جريدة "التحرير"